للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكننا هنا أمام صورة مغايرة، أمام فريق من الجاهلية، ضحى بمصالحه واستقراره ووجوده من أجل الإسلام، ولم تكن التضحية يوما أو يومين، بل امتدت ستين وثلاثا. وإني ليأخذ بي العجب وأنا أتخيل هذه الصورة. صورة ذلك المشرك القابع في زواية من زوايا شعب أبي طالب، ويده على سلاحه، يكاد يقتله الجوع، ويفتك بأولاده وزوجه، والأمل مسدود أمامه بلا رجاء، ويسائل نفسه؟ لم ينالني هذا الأذى؟ ويجيب: من أجل محمد، محمد الذي هاجم معتقداتي وآلهتي وديني. ويتساءل: كيف أعرض نفسي للموت من أجله؟ ثم يطرد هذا التساؤل، ويهرب من هذا الخاطر، ويقنع نفسه بموقفه. طالما أن أبا طالب دعاه لهذا المرقف فلن يتراجع عنه ولو أدى إلى موته.

نحن إذن أمام جاهلية تؤمن بقيم ثابتة فتضحي بمصالحها واسمترارها ووجودها في سبيل الإسلام.

فلا يجوز إذن أن يبلغ بنا التشيخ خدا نتصور فيه أن الجاهلية دائما تنطلق من مصالحها ولا تؤمن بشيء. بل قد تصادف الحركة الإسلامية في مسيرتها بعض هذه النماذج.

ويكفي أن ندلل على ذلك من واقع الحركة الإسلامية اليوم وهي تحمل لواء الجهاد ضد الطغيان في سورية. فالأرض التي تتحرك فيها وتأوي إليها وتنطلق منها هي أرض الدول المجاورة. وبعض هذه الدول تعرضت لضغوط عالمية رهيبة لتطرد قيادات الحركة وقواعدها من أرضها فلم تستجب لذلك، لقد تعرضت مصالحها للخطر، وبدأت الدول الكبرى حصارها لها لإجبارها على معاداة الحركة. فلم تفعل ذلك، مع اختلاف المنطلقات الفكرية بينها وبين الحركة. ولا شك أن الحركة الإسلامية ستحفظ إلى الأبد هذه المواقف الكريمة. وتفرق بين من يساندها في محنتها، ويعرض نفسه للخطر من أجلها - برغم الخلاف العقائدي معها - وبين من يتآمر مع عدوها لإبادتها والإجهاز عليها، والمعروف لا يضيع أبدا عند أهل المعروف.

<<  <  ج: ص:  >  >>