أولاهما: لأول مرة يخرج رسول الله خارج مكة، ويفكر في تغيير مركز الانطلاق. هذا وإن كان قد هيأ مركزا احتياطيا له في الحبشة، غير أنها لا تصلح مركزا للانطلاق، إلا عند الضرورة القاهرة، لأن الحبشة بعيدة عن الجو العربي، ولا بد أن تكون القاعدة الصلبة للانطلاق من قومه ليمكن قبولهم من بقية العرب. فلقد كانت قريش تأخذ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن جمع أوشاب العرب من جماع القبائل ليقضي بهم مكة، ويغزوها، فكيف يمكن أن يقبل العرب دخول الأحباش ليكونوا القاعدة الصلبة للدعوة، وذكريات قريش عن الحبشة مرة منذ عام الفيل. لكن ثقيفا لا تقل أصالة عن قريش في الحسب والنسب والمنعة، وهي أنسب ما يكون لتكون البديل عن مكة، فلا يلي مكة في الأهمية عند العرب إلا الطائف، وفي الطائف أقدس أصنام العرب بعد الكعبة وهو اللات، وبها يحلف العرب. فلقد كان اختيار القيادة النبوية للبديل أوفق اختيار.
ثانيتهما: لأول مرة وفي هذه المرحلة الجديدة نجد عنصر طلب النصرة. فلقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو القبائل ويحضر مواسم العرب قبل هذه المرحلة. غير أن هذه الدعوة كانت محصورة في الدعوة إلى الإسلام. بل يمكن القول: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يطلب النصرة إلا في هذه المرحلة، وكانت الحماية والنصرة السابقة بناء على عرض المشركين وليست بناء على طلبه. فأبو طالب هو الذي قاد هذه المرحلة، وحمل لواء نصرة ابن أخيه وجمع على هذا الرأي بنو عبد المطلب، بنو هاشم، وبنو المطلب، وفشل في ضم بني أمية وبني نوفل إلى هذا الحلف. ونفقه من هذه الرحلة النبوية المباركة أصول الحركة السياسية للحركة الإسلامية. فعندما تسد أمامها المنافذ التي تنطلق منها، وتصل إلى الطريق المسدود في مكان ما، فمن واجبها أن تبحث عن قاعدة جديدة للانطلاق. تحمل المؤهلات المناسبة للقاعدة الأولى.
وهذا ما لاحظناه في الحركة الإسلامية اليوم يوم سدت منافذ الجهاد أمامها في سورية وقد حملت السلاح ثائرة ضد الطغيان الحاكم فيها. لجأت إلى بديل طبيعي هو الأرض العربية المجاورة حيث فتحت الدولة المضيفة