أبوابها لإيواء المهاجرين المسلمين، واستطاعت الحركة الإسلامية أن تتابع جهادها لمقاومة الطاغوت الكافر.
ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووجه بأعنف رد تلقاه داعية في الأرض، بعد أن بذل جهدا مضنيا في محاولة إقناع قادة ثقيف، وبعد أن أمضى عشرة أيام يتصل بكل ثقيف شبابا وفروعا، لكن دونما جدوى، فلم يأذن الله تعالى بالفرج بعد.
ونلاحظ حرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الجانب السياسي في الموضرع حين طلب من قادة ثقيف كتمان الأمر، لما له من مضاعفات خطيرة في مكة. غير أن هؤلاء الزعماء نكثوا عهدهم وأغروا سفهاءهم وعبيدهم بإيذائه. ولم يثن هذا الإيذاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مهمته كداعية. بل عرض عليه من ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين. فأبى عليه الصلاة والسلام قائلا: إني لأرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله. إن مهمة السياسي أن ينتصر، أما مهمة الداعية أن تنتصر دعوته. وحين يخير بين الأمرين فيختار دعوته على شخصه. وكم من الدعاة بحاجة إلى أن يتعمق هذا المعنى في نفوسهم.
إننا لا يمكن أن نتصور مثل هذه النماذج في الوجود، ولكن لنحاول الارتفاع إلى أفقها السامي، فأقبح رد وألأم معاملة تصل إلى الحد الذي ذكرته الروايات (رجموا عراقيبه بالحجارة حتى اختضبت نعلاه بالدماء، وكان إذا أذلقته الحجارة قعد إلى الأرض فيأخذونه بعضديه ويقيمونه. فإذا مشى رجموه وهم يضحكون، وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى لقد شج في رأسه شجاجا). ومع ذلك يأتيه العرض من ربه تعالى أن ينتقم له ويثأر له. وليس عرضا من حليف أرضي، ولا من شيطان مريد. بل من رب العالمين، ومع هذا كله فيملك الخيار ويرجو ربه أن يخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله.
إن المرء ليعجز عن تصوير هذا السمو البشري مهما كان مستواه، بل يكاد يعجز عن تصوره. وبقي مع هذا لنا من هذا الدرس أن لا تغيب