لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - - مصعب بن عمير رضي الله عنه - ليشرف بنفسه على تطور الموقف ويقوم بتففيه المسلمين هناك بهذا الدين الجديد.
٦ - واستطاع الدبلوماسي الإسلامي الأول في المدينة بحكمته وحصافته وذكائه السياسي بعد توفيق الله له أن يجر أكبر قيادات الأوس إلى الإسلام، أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ، وذلك خلال العام الجديد. ولم يبق في بني عبد الأشهل - رؤساء الأوس - رجل ولا امرأة ولا طفل إلا ودخل في الإسلام. لقد أصبح التيار عارما، والاتجاه معبأ لقيام الثورة الإسلامية في المدينة - إذا صح التعبير - وأصبحت مهمة القيادة تنظيم هذه الطاقات كلها لصالح المعركة.
٧ - ومع أن نصوص البيعة لا تحمل في ثناياها حربا أو معركة بل هي كما أطلق عليها المسلمون - بيعة النساء - لكنها تعني تربية معينة، وأرضية تقوم عليها المعركة. إن الالتزام الخلقي والسلوكي بالمبدأ، وضبط الشهوات، بأمر رباني، يعني أكثر من أمر:
فالأمر الأول: هو المفاصلة العقيدية، والتميز الفكري - لا نشرك بالله شيئا، وهذا يعني عمليا إعلان الحرب من جانب واحد على هذا المجتمع، وذلك بالثورة على دينه وعقيدته.
والأمر الثاني: هو المفاصلة السلوكية فلا سرقة ولا زنا، ولا وأد لولد أو بنث ولا افتراء ببهتان. والذي يستطيع أن يطبق هذه المفاصلة السلوكية في المجتمع الذي يعج بالزنا ويعج بالبهتان المفترى، هو مؤهل للجندية الحقيقية وقادر على تنفيد الأوامر الصادرة له فيما بعد.
والأمر الثالث: هو تغير الولاء. فلقد انتهت الطاعة للقبيلة أو قيادة المدينة. لقد أصبحت الطاعة لله وللرسول، والمخالف لهذه الأوامر عاص يحاسب على تقصيره. لقد غدا ميزان الطاعة والمعصية ليس بالخروج على أوامر رئيس القبيلة، أو أعراف القبيلة، بل صار بالخروج على الأوامر الصادرة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مكة.
والأمر الرابع: هو اعتماد الوازع الداخلي بالتطبيق لا السلطان الآمر.