للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبقى مجال لذكر الإذن بالقتال اليوم، والإذن بالقتال حكم مرحلي انتهى في وقته - والله تعالى قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ... (١)} أنا لا أجد حرجا في التوفيق بين الحكمين لأن مؤداهما واحد في النهاية.

فلقد ذكر الفقهاء إن الجهاد قد يكون فرض عين، ولا يأثم تاركه، وذلك حين لا يوجد الإمام الذي يباشر القتال معه. فإذن حين لا يوجد الإمام والجماعة المسلمة التي ينضوي المسلم تحت لوائها ليقاتل الكفار لا يأثم إن لم يقاتل مع أن القتال فرض عين عليه. وهذا المعنى نفسه هو الذي يقتضيه المفهوم الثاني، فإلى أن تقرم الجماعة المسلمة - والإمام المسلم الذي يقودها، وتكون قادرة على الوجود والاستعلان والمواجهة يعتبر القتال في هذه المرحلة بشكل فردي غير مأذون به ما لم يكن دفاعا عن النفس أو المال أو العرض. وإذن فالذي يحدد ابتداء القتال في الحالتين هو الجماعة المسلمة، وقيادتها التي تجد الظروف مناسبة لذلك.

إن كل أحكام الإسلام الثابتة المستقرة النهائية، والمرتبط تنفيذها بوجود الحاكم والإمام المسلم مثل الحدود والقصاص لا يعني عدم وجودها في غياب الإمام المسلم نسخها، فهي قائمة نظريا، والمسلمون آثمون لو تركوها. لكنها من الناحية العملية مرهونة بقيام الحكم الإسلامي الذي ينبثق من جماعة مسلمة، حملت لواء الجهاد وانتصرت على أعدائها، وأقامت حكم الإسلام. فأحكام الجهاد والقصاص والحدود مرتبطة بوجود الحاكم المسلم وإمكاناته قوة وضعفا وكما تقول الآية: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ... (٢)} فلا بد من التمكين أولا لتنفيذ فرضية الصلاة والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الناس. لا التنفيذ بشكل فردي. فهذا لا عجز فيه، إنما العجز هو تطبيق هذه الأحكام فرضا وحظرا على الناس. وكلما تمكن المسلمون أكثر كلما كانوا


(١) المائدة الآية ٣.
(٢) الحج ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>