لقد كانت المواجهة الأولى بين المسلمين والمشركين في المدينة في الحادثة المذكورة، ولو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الأمر لعواطف المسلمين، وهم ما ثاروا إلا غضبا لله ورسوله، لوقعت الحرب الضروس، وتزعزع إيمان بعض المؤمنين، وانضموا إلى معسكر عبد الله بن أبي، وأعيدت حرب بعاث من جديد.
وضاعت فيها معالم الحق وسط نتن العصبية وتزلزلت دولة الإسلام في مراحلها الأولى.
فلقد استل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غضب المسلمين، ولو كان غضبهم لله ورسوله، وكان يهدىء العواطف الثائرة، دون أن ينحاز لأحد الطرفين، واستجاب المسلمون لأمر قائدهم واستبعدت المعركة.
أما الصورة الجديدة التي بين يدينا فهي في ظاهرها غير ممكنة التلافي. إذ قد عمد الوثنيون إلى سلاحهم لمواجهة المسلمين، وتبدو صعوبتها أكثر حين نتصور أن الأيدي الخفية التي تحركها من الخارج. واستطاعت الدعاية الخارجية أن تجعل الأمر في أذهان المشركين أمر مصير محتوم لا خيار فيه. فإما قتل محمد وأصحابه وطردهم، وإما احتلال المدينة واستباحتها من أهل مكة.
ونقف هنيهة لنرى كيف استل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتيل الانفجار من المشركين. وكيف أنه اعتمد - عليه الصلاة والسلام - التركيز على الوتر الذي ركزت عليه قريش. فأعاد السحر على الساحر، واستعمل الأسلوب نفسه الذي استعملته قريش. لأن هذا هو المنطق الذي يمكن أن يفهم الوثنيون فيه، طالما أن الإسلام لا يجمع الفريقين.
إن الذي يتبادر لذهن الشباب المسلم في هذه العجالة هو الجهاد في سبيل الله، والابتداء مباشرة بحرب هؤلاء فهم العدو الداخلي، قبل الابتداء بقريش، وحتى لا يكون لدينا هوادة في دين الله، وحتى لا نخاف في الله لومة لائم. فلا بد من حرب هؤلاء الوثنيين، وكسر شوكتهم والقضاء على هذا الجيب الداخلي، إلى آخر هذا النغم الذي يعتبر التخلي عن المعركة جبنا وهوادة في دين الله ومداهنة على حساب العقيدة.