كم نتمنى أن يتروى الشباب المسلم هذا الموقف، ويتعلموا من سيد الخلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فن التعامل مع العدو، وتحديد المعركة، وطبيعة مصلحة الجماعة في المعركة. وأن يتركوا لقيادتهم حرية الحركة في هذه الأمور، وهي التي تضطلع بعبء المواجهة، وتعرف من تصالح، ومن تحارب، ومن تهادن، ومن تحالف، ومتى تقاتل، ومتى تسالم لأنها هي مناط الحركة والمسؤولية.
لقد استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأسلوب الوطني، الأسلوب العشائري في فضحه هذا التجمع، وإنهاء المعركة دون قتال، وتفتيت التجمع دون دماء بكلمات بسيطة معبرة، عميقة، خالدة على مدى الزمن، وممن؟. من رسول البشرية، ومن نبي الإسلام: قال: لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ ...
ولقد حرك بهذه الفقرة جانبا نفسيا عندهم يأبونه، وهو الخوف من قريش، ومهما كان العربي فحين تستفز كوامن قوته، وكوامن بطولته يأبى أن يعير بالجبن، أو الخوف، أو الخور.
(... ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريدون إن تكيدوا به أنفسكم ...). وبعد الضرب على الوتر الحساس الأول، وتر البطولة والشجاعة. عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليحرك وترا نفسيا آخر. هو الترهيب من تآمر العدو الخارجي على أهل المدينة أصحاب المصير المشترك الواحد. فليس هذا الموقف جبنا فقط، ولكنه غفلة وسذاجة وجهالة، ولا يرضى العربي مهما كان أن يتهم بهذا الاتهام، أن يتهم بأنه لا يدرك كيد عدوه، ولا يعرف مخططاته، ولا يفقه ألاعيبه. فلقد هيج هذا المعنى في أنفسهم شعورا جديدا من النفرة لاستجابة دعوة قريش البعيدة المعادية. ولو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راح يدعوهم لإلقاء السلاح باسم الإسلام لأحس الوثنيون اليثربيون أنهم أقرب إلى قريش من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولتهيج في نفسهم شعور الاعتزاز بالوثنية ضد هذا الدين الجديد، ولهم مع قريش قاسم مشترك، إذ عندها البيت الحرام ومقام إبراهيم والحج لبيت الله. فلا غرو أن يتساقطوا جميعا صرعى ضد محمد ودينه ومع قريش.