وهذه القيم التي تقوم عليها الحياة كلها ويقوم عليها النظام الاجتماعي والتشريع القانوني على السواء.
هذا كله لم يعد ملكا للمسلمين وحدهم منذ غزوة بدر وتوكيد وجود المجتمع الجديد. اإنما صار - شيئا فشيئا - ملكا للبشرية كلها، تأثرت به سواء في دار الإسلام أو خارجها، سواء بصداقة الإسلام أم بعداوته! .. والصليبيون الذين زحفوا من الغرب ليحاربوا الإسلام ويقضوا عليه في ربوعه قد تأثروا بتقاليد هذا المجتمع الإسلامي الذي جاؤوا ليحطموه، وعادوا إلى بلادهم ليحطموا النظام الإقطاعى الذي كان سائدا عندهم، بعدما شاهدوا بقايا النظام الاجتماعي الإسلامي! والتتار الذين زحفوا من الشرق ليحاربوا الإسلام ويقضوا عليه - بإيحاء من اليهود والصليبيين من أهل دار الإسلام - قد تأثروا بالعقيدة الإسلامية في النهاية، وحملوها لينشروها في رقعة من الأرض جديدة، وليقيموا عليها خلافة ظلت من القرن الخامس عشر إلى القرن العشرين في قلب أوروبا .. وعلى أية حال فالتاريخ البشري كله - منذ وقعة بدر - متأثر بهذا الفرقان في أرض الإسلام، أو في الأرض التي تناهض الإسلام على السواء.
وكانت فرقانا بين تصورين لعوامل النصر وعوامل الهزيمة، فجرت - وكل عوامل النصر الظاهرية في صف المشركين، وكل عوامل الهزيمة الظاهرية في صف العصبة المؤمنة، حتى لقال المنافقون والذين في قلويهم مرض: غر هؤلاء دينهم .. وقد أراد الله أن تجري المعركة على هذا النحو، وهي المعركة الأولى بين الكثرة المشركة والقلة المؤمنة - لتكون فرقانا بين تصورين وتقديرين لأسباب النصر والهزيمة، ولتنتصر العقيدة القوية على الكثرة العددية وعلى الزاد والعتاد، فتبين للناس أن النصر للعقيدة الصالحة القوية، لا لمجرد السلاح والعتاد، وأن أصحاب العقيدة الحقة عليهم أن يجاهدوا ويخوضوا غمار المعركة مع الباطل غير منتظرين حتى تتساوى القوى المادية الظاهرية، لأنهم يملكون قوة أخرى ترجح الكفة، وأن هذا ليس كلاما يقال، إنما هو واقع متحقق للعيان.
وأخيرا فلقد كانت بدر فرقانا بين الحق والباطل بمدلول آخر، ذلك