المدلول الذي يوحي به قول الله تعالى في أوائل هذه السورة:{وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون}، لقد كان الذين خرجوا للمعركة من المسلمين، إنما خرجوا يريدون عير أبي سفيان واغتنام القافلة. فأراد الله لهم غير ما أرادوا. أراد لهم أن تفلت منهم قافلة أبي سفيان (غير ذات الشوكة) وأن يلاقوا نفير أبي جهل (ذات الشوكة) وأن تكون معركة وقتال وقتل وأسر، ولا تكون قافلة وغنيمة ورحلة مريحة! وقد قال الله - سبحانه - إنه صنع هذا:{ليحق الحق ويبطل الباطل}.
وكانت هذه إشارة لتقرير حقيقة كبيرة .. إن الحق لا يحق وإن الباطل لا يبطل - في المجتمع الإنساني - بمجرد البيان النظري للحق والباطل. ولا بمجرد الاعتقاد النظري بأن هذا حق وهذا باطل .. إن الحق لا يحق، وإن الباطل لا يبطل ولا يذهب من دنيا الناس، إلا بأن يتحطم سلطان الباطل ويعلو سلطان الحق، وذلك لا يتم إلا بأن يغلب جند الحق ويظهروا، ويهزم جند الباطل ويندحروا .. فهذا الدين منهج حركي واقعي، لا مجرد نظرية للمعرفة والجدل! أو لمجرد الاعتقاد السلبي!.
ولقد حق الحق وبطل الباطل بالموقعة، وكان هذا النصر العملي فرقانا واقعيا بين الحق والباطل بهذا الاعتبار الذي أشار إليه قول الله تعالى في معرض بيان إرادته - سبحانه - من وراء المعركة، ومن وراء إخراج الرسول - صلى الله عليه وسلم - من بيته بالحق، ومن وراء إفلات القافلة (غير ذات الشوكة) ولقاء الفئة ذات الشوكة.
ولقد كان هذا كله فرقانا بين منهج هذا الدين ذاته، تتضح به طبيعة هذا المنهج وحقيقته في حس المسلمين أنفسهم .. وإنه لفرقان ندرك اليوم ضرورته؟ حينما ننظر إلى ما أصاب مفهومات هذا الدين من تميع في نفوس من يسمون أنفسهم مسلمين! حتى ليصل هذا التميع إلى مفهومات بعض من يقومون بدعوة الناس إلى هذا الدين! وهكذا كان يوم بدر (يوم الفرقان يوم