للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي كانت الجرأة تصل به أن يطالب محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالكف عن الدعوة إلى الله. وكان معسكر اليهود واضحا كذلك. اللهم إلا أفرادا من اليهود قاموا بمهمة الجاسوسية في الصف المسلم يتظاهرون بالإسلام ويبطنون الكفر، وقد ذكر القرآن هذا النموذج بقوله: {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون (١)}.

ونستطيع أن نقول إذن: إن معسكر المنافقين لم يبرز حتى بدر. ووجود أفراد محددين لا يصل خطره إلى أن يطلق عليه اسم معسكر أو تجمع. إنما برز بعد الانتصار الحاسم في بدر، وكما نقل على لسان هؤلاء المشركين: إن هذا أمر قد توجه، واستطاعت الموجة الطاغية من الانتصارات والتي ظهرت على صورة معجزة من السماء ان تكتسح معسكر المشركين وتحوله إلى معسكر منافقين. ولا ننفي أن يكون بعض أفراده قد أسلم حقيقة ودخل الإيمان قلبه. أما أكثر هؤلاء فقد تحولوا إلى منافقين يأتمرون بأمر عبد الله بن أبي الذي كان الخزرج يعقدون له الخرز ليتوجوه. وكانت عقدة الزعامة والمنصب تأكل قلبه. فلم يعد قادرا على أن يواجه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعداوة واضحة. لأن من حوله سوف ينفضون عنه لضعفهم أمام قوة المسلمين، ولم تطاوعه نفسه أن يسلم نفسه لله. فأمسك بالعصا من الوسط وضمن بقاء جنوده وأتباعه معه فظاهر الأمر هم مسلمون، وضمن بقاء قيادته وزعامته لهم طالما أنهم غير مكلفين بالمواجهة السافرة. وكانت آيات القرآن تندد بهؤلاء تلميحا لا تصريحا بأسمائهم.

ج - دورهم في غزوة بني قينقاع

يقول ابن هشام: وكان بنو قينقاع أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحاصرهم رسول الله حتي نزلوا على حكمه. فقام إليه عبد الله بن أبي بن سلول حين أمكنه الله منهم، فقال: يا محمد أحسن في موالي! فأعرض عنه، فأدخل يده في جيب درع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: أرسلني. وغضب رسول الله حتى رأوا لوجهه ظللا، ثم قال: ويحك أرسلني.


(١) آل عمران الآية ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>