قال: لا، والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي: أربعمائة حاسر وثلثمائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة! إني والله امرؤ أخشى الدوائر. ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان له من حلفه مثل الذي لهم من عبد الله بن أبي. فخلعهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتبرأ إلى الله عز وجل وإلى رسول الله من حلفهم، وقال: يا رسول الله: أتولى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت هذه القصة من المائدة: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين فترى الذين في قلويهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم} ثم القصة إلى قوله تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}. وذكر لتولي عبادة بن الصامت الله ورسوله والذين آمنوا {.. فإن حزب الله هم الغالبون (١)}.
لقد كان موقفا غريبا تماما على الحس الإسلامي، فلم يعهد الصف الإسلامي أبدا فيه مثل هذه الظاهرة منذ أن قامت الدعوة. فلقد كان المسلم في تعامله مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأدب والانضباط والتفاني في الطاعة، ما يجعله يحتاج دائما لتوجيهات النبي أن يبدي رأيه ويقول كلمته، وينافش في حقه، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفسح المجال دائما لهذا البناء عن طريق الشورى.
أما أن يقف مسلم بهذه الوقاحة، يضع يده في جيب درع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويطلب منه رسول الله أن يدعه فلا يدعه، فيغضب منه ويلح عليه بقوله: ويحك أرسلني، فلا يستجيب ويسترسل في وقاحته. فهذا أمر غريب تماما على الحس الإسلامي بين جندي وقائده بله بين مسلم ورسول رب العالمين. ورسول رب العالمين بما أعطاه الله تعالى من الخلق الأقوم لم يعهد