للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال عليه الصلاة والسلام: أأسلموا. قالوا: لا يا رسول الله. فقال: مروهم فليرجعوا فإنا لا ننتصر بأهل الكفر على أهل الشرك (١)). وكانت هذه قاصمة ثانية. فهو يرى أن النصر لو تحقق فسيشترك فيه طالما أن حزبه وحلفاءه قد ساهموا فيه. ويكون له المركز الثاني بعد رسول الله، أما وقد فاته تحقيق الزعامة بأخذ رأيه في البقاء في المدينة وفاته المشاركة بالنصر عن طريق حزبه وحلفائه، فليشارك إذن في صنع الهزيمة. عله يتخلص من محمد - صلى الله عليه وسلم - وزعامته. وليضرب ضربته الذكية. وينفصل بثلث الجيش عائدا إلى المدينة معلنا: (.. سفه رأيي، ورد حلفائي، ما أدري علام نقتل أنفسنا أيها الناس). ولئن كانت خطوته يوم بني قينقاع كبيرة على الحس الإسلامي. فلقد أصبحت تافهة لا تذكر أمام خطوته في أحد.

ولقد كانت ذات أثر خطير جدا من الناحية المعنوية، فأن ينفصل ثلث الجيش معه. فهذا يعني تصدع الصف الداخلي وهو مقدم على حرب عنيفة. وإذا أردنا أن نحدد أبعاد هذه الخطوة أكثر فيمكن القول: إن الأمر أكبر من ثلث الجيش. فلقد أكد القرآن الكريم أن هناك بعض الفئات كادت تستجر معه: {إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون (٢)}. كما يشير القرآن الكريم إلى المنافقين الذين بقوا في الجيش. وعلهم مكثوا بأمره. ليتموا المهمة الخطيرة، مهمة إشاعة الفوضى والرعب في الصفوف. حيث يؤكد القرآن هذا المعنى بقوله عز وجل: {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور (١)}. فأشارة القرآن الكريم إلى الطائفتين المؤمنتين اللتين كادتا


(١) آل عمران /١٢٢.
(٢) آل عمران ١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>