لقد أصبح يتحرك في عواطفه من خلال عقيدته. لكن ضغط مقتل أبيه على أعصابه يخشى أن يزعزعه إلى ذلك المستوى الذي تجاوزه. ويصبح من عداد أهل النار.
١٠ - ولا يفوتنا أن نستعرض موقف الغلام المؤمن في هذه الحادثة: موقفه وهو يمضي سريعا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ليخبره بما سمع وهو الواجب على كل جندي أن يكون حارسا أمينا على دعوته، وموقفه وهو ثابت كالطود أمام تكذيبه. ويصر على صدق ما سمعه، وينفي أمام قائده أن يكون له هوى بهذا الأمر أو يكون قد أخطأ في نقله، أو أخطأ في فهمه، وموقفه في مواجهة التيار العام الذي ثار ضده من قادة قبيلته. وهو يتحداهم جميعا بقوله: والله إني لأرجو أن ينزل الله على نبيه حتى تعلموا أني كاذب أم غيري. فلم تزلزله هذه الهجمات كلها بل بقي على موقفه، وثقته برب السموات والأرض أن يظهر الحق لنبيه، وأن يأتي الوحي تصديقا له، ويتعبد به الناس إلى يوم الدين.
ومن أجل هذا حرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رفع معنوياته أمام هذا الهجوم الرهيب عليه حين جاء الوحي مصداقا لقوله: فإذا هو يأخذ بأذني زيد ويقول: وفت أذنك يا غلام وصدق الله حديثك. وإذا بكل تمالؤ الحسب والنسب ينهار أمام الوحي، ويرتفع هذا الفتى المؤمن بالله وبرسوله فوق الشبهات، وفوق الزعامات بعد أن صدقه الله تعالى، وكذب رأس النفاق الذي لم يتورع عن الحلف كاذبا في سبيل المحافظة على مركزه وسطوته، فلا يستصغرن أخ نفسه من أجل هذه المهمة. وليعتبر نفسه مقام هذا الغلام المؤمن. فلا يصمت على حديث يسيء للجماعة مهما كانت صعوبة الإبلاغ قائمة. وكم يستشعر الجندي بالثقة وهو يجد قيادته تتصرف مباشرة بعد التأكد من صحة كلامه، وأن لا يكون لدى قيادة الجماعة حرج في أن تستمع لمثل هذه الآراء، وتتعرف على ما يجري داخل الصف.
١١ - وأخيرا نلاحظ معالجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للموقف على جبهات عدة، وهو يود أن يستأصل هذه الظاهرة من الجذور. وهو موقف أحوج ما تكون القيادة للتأسي به وهي تعالج هذه الظاهرة.