للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد أن ثبت له صدق الغلام دون أن ينقل الحديث إلى أفراد الصف، ومعالجته بالحكمة الممكنة. وهذا الأمر لو أحكم في صف الجماعة المسلمة لجنبها كثيرا من المآزق. أن يكون أمر الأمن أو الخوف ممدودا بمستويات معينة لا يتجاوزهم. أما المنافقون فهم الذين يشيعون قالة السوء، ويسارعون في نشرها وهم يتلذذون بذلك وقد وصفهم الله تعالى بقوله: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم (١)}. فمنهج التبليغ للخبر، ومنهج التلقي يجب أن يكونا سلميين، وكثيرا ما يحدث أن بعض الأفراد في مستوى معين من المسؤولية أو في القيادة العامة للجماعة، فيتساهل في بعض الأسرار. فإذا بها تنتقل عن طريقه، وتزكم الأنوف كلها، وتكون مادة الحديث ليتسلى الصف أو يتصارع بها.

وكانت حكمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن سمع رأي سعد بن عبادة وأسيد بن حضير وعمر بن الخطاب، واكتفى بذلك إلى أن جاء الوحي بصدق زيد رضي الله عنه وصحة ما نقله عن ابن أبي. فأصبح لدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موقف آخر. فلقد وقف عبادة بن الصامت موقفا حازما من عبد الله بن أبي. وكذلك أوس بن خولي إذ (مرا عليه فلم يكلماه. فورم أنفه وقال: إن هذا الأمر قد تمالأتما عليه فرجعا إليه فأنباه وبكتاه بما صنع وبما نزل من القرآن إكذابا لحديثه فقال: لا أعود أبدا). وترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأمر للخزرج في معالجة عبد الله بن أبي فكان الموقف العظيم لابنه، ولبني عشيرته الأدنين.

ونتساءل: لماذا كان موقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا التساهل مع عبد الله بن أبي؟ والجواب واضح. فهو أولا: مطمئن إلى أن قومه سوف ينفضون عنه جميعا، فلقد أصبح خطره محدودا وأمره مفضوحا للجميع.

وهو ثانيا: يود أن لا يفتح له مجالا للخروج من الصف والانقضاض عليه بحيث يخرج ويتآمر مع اليهود والمشركين وأسرار الصف عنده. وأي


(١) سورة النساء، من الآية ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>