للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضغط عليه قد يقوده إلى هذا الموقف كما فعل أبو عامر الفاسق الذي خرج مع خمسين من قومه وأنضم لأهل مكة. فأن يكون مراقبا في جميع تصرفاته أولى من أن ينقل أسرار الجماعة المسلمة إلى عدوها، ومن أجل ذلك كان جواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضحا لابنه حيث قال له: ما أمرت بقتله (١)، ومما أمرت به، ولنحسنن صحبته ما دام معنا.

وهو ثالثا: يعلم أن عبد الله بن أبي قد احترق نهائيا بنزول سورة (المناففون) حيث صارت على كل لسان. وما من مسلم يتلو هذه السورة، ويبقى عنده شك في تقييم ابن أبي أو الثقة به إلا إذا كان يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وحتى يبقى هذا المعنى راسخا في أذهان المسلمين كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتلو هذه السورة في كل يوم جمعة تقريبا مع سورة الجمعة. فلو تاب عبد الله بن أبي توبة نصوحا، وخاف الآخرة لم تعد السورة لتمسه بعد أن حسنت توبته، وإن بقي مصرا على موقفه، فسيبقى المسلمون في مفاصلة تامة معه وهم يتلون كتاب الله ويقرؤون شهادة الله تعالى به وبأمثاله أن هؤلاء المنافقين كاذبون، وأنهم اتخذوا أيمانهم جنة ليصدوا عن سبيل الله. وهكذا. نستطيع القول أن جبهة المنافقين التي كان يقودها عبد الله بن أبي قد تصدعت تصدعا تاما بعد أن كانت قادرة على تصديع الصف الإسلامي كله.

ولم يعد لعبد الله بن أبي ناصر أو معين. وأصبح مكان الإذلال في قومه بعد أن كان في مكان الصدارة. بينما لو قتل لتحركت الحمية من جراء قتله برؤوس بعضهم بعد قتله، وقد يغدو مظلوما شهيدا عند آخرين من ضعاف الإيمان. وكان هذا الأمر هدفا واضحا ومحددا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل كل الناس ينفضون عن ابن أبي بعد أن كان أكثرهم يجتمعون عليه.

يقول ابن إسحاق: (وجعل يعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه، ويأخذونه ويعنفونه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب، حين بلغه ذلك من شأنهم: كيف ترى يا عمر، أما والله لو قتلته يوم قلت لي


(١) السيرة النبوية لابن هشام ص ٣٠٥. ج ٣. دار إحياء التراث العربي.

<<  <  ج: ص:  >  >>