للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دية قتيلين من بني عامر قتلهما عمرو بن أمية الضميري رضي الله عنه لأن بني النضير كانوا حلفاء بني عامر. فلقد كان ذهاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم بمثل قمة من الوفاء في العهد. فليس لبني عامر حلف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبالتالي فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمكن أن يتجاهل الأمر.

ومقتل هذين الرجلين إنما تم من عمرو بن أمية لأن بني عامر قد ساهم زعيمهم في ذبح سبعين من المسلمين في بئر معونة. وقدر عمرو أنه يأخذ بثأر الشهداء من هذين الرجلين وتقول الرواية كذلك أن لهذين الرجلين عهدا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يدر بهما عمرو. ولهذا مضى عليه الصلاة والسلام مع نفر يسير من أصحابه فالقوم حلفاء للمسلمين. لكن سيطرة السجية اليهودية طغت عليهم، فدأبهم في تاريخهم نقض العهد وقتل الأنبياء ونكث المواثيق وخفر الذمم. فوجدوها فرصة سانحة لقتل محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو بين ظهرانيهم، ولو كان الأمر اندفاعا أعمى من جندي متحمس لهان الأمر، لكن رئيسهم حيي بن أخطب هو صاحب الفكرة وهو صاحب الاقتراح. فالتمالؤ متوفر من القيادة العليا عندهم وأقره عليها أزلامه وزبانيته. كما رأينا التمالؤ من قبل في بني قينقاع. وانتدب لذلك عمرو بن جحاش ليطرح عليه صخرة. لقد قتلوا يحيى وزكريا أنبياءهم من بني إسرائيل. فكيف لا يقتلون محمدا وقد نزع منهم النبوة والملك وهو من بني إسماعيل؟ وتداركت رحمة الله تعالى الموقف، فأبلغه الوحي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما هموا به، فمضى عائدا إلى المدينة، موهما اليهود أنه ماض لقضاء حاجة، حتى لا يكون التصرف مفاجئا، فيثير انتباههم إلى كشف هدفهم ومخططهم. ولحق به الصحابة الذين كانوا معه، دون أن يعرف اليهود شيئا عن جلية الأمر. إن القائد المسلم هدف ثمين للعدو، وفي كثير من الأحيان لا بد أن يعتمد على يقظته وانتباهه وحسن تصرفه في اللحظة العصيبة. كما لا بد أن يكون للحركة الإسلامية رجالها في صفوف العدو المحالف، تكشف مخططاتهم واتجاهاتهم في نقض العهد أو الوفاء به. فلقد انقطع الوحي بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأصبح تحسس أخبار العدو من مهمة الحركة الإسلامية. ووقوع الدعاة إلى الله في شرك أعدائهم أو حلفائهم من خلال غفلتهم ونيتهم الطيبة لا يعفيهم من المسؤولية أمام الله عز وجل. ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>