يجدون الصف مزعزعا والعزيمة خائرة، والنفوس خائرة الثقة بقيادتها، وحين نجد في صفنا الأرض الخصبة للإشاعة والتشكيك والدس الرخيص، فعلينا أن نعيد بناء صفنا ونمتن لحمته من جديد، وليس المنافقون وحدهم هم الذين ذعروا وأووا إلى جحورهم، بل بني قريظة كذلك - الفريق الثالث من اليهود.
وجرى أثناء الحصار ثلاث حوادث جلية وهامة:
الحدث الأول: النبل الذي كان ينزل على دار القيادة وهي القبة من أدم التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقيم فيها، وكان قائد النبالة وأمهرهم هو عزوك اليهودي، فكمن له علي رضي الله عنه روقتله. وكان يود مرة ثانية أن يغتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عشرة معه. فلم يكتف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتله بل أرسل أبا دجانة وسهل بن حنيف في عشرة لاحقوا الكتيبة الفدائية اليهودية فقتلوها عن بكرة أبيها وأتوا برؤرسهم فطرحت في الآبار، وكان وجودها رفعا عظيما لمعنويات المسلمين. وهو درس لنا اليوم بضرورة بث الرعب في صفوت العدو من خلال العمليات الفدائية الناجحة، فلم يجرؤ اليهود بعد ذلك على مغادرة حصونهم ورمي نبالهم. لأنهم يعلمون أن أرواحهم غدت في خطر بعد ذبح أبطالهم العشرة.
الحدث الثاني: وهو التعرض لنخلهم الذي يعيشون عليه، فها هم يرون النار تشتعل بمحصولاتهم وتمرهم. والذي كلف بهذا الأمر أبو ليلى المازني، وعبد الله بن سلام (حبر اليهود من قبل) فراحوا يطلبون برجاء أن يبقي لهم على نخيلهم فأبقاه، وانبثقت فتنة جديدة تثير الشغب لهذا الحريق، وتشكك في تصرت القيادة، فلا بد أن يكون أحد التصرفين حق لأن كليهما متناقضان. فأكد القرآن صحة التصرفين، وأعاد مخطط يهود إلى جحره: بقوله تعالى: {ما قطعتم من لينة (شجرة تمر) أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين (١)}. فلا بد أن يفاجأ العدو بأعز ما يملك حتى يستسلم. وهو ما فعله عليه الصلاة والسلام بهم.