للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جانب أحد، قد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه. قال: فقال له كعب: جئتني والله بذل الدهر، وبجهام (١) قد هراق ماؤه، فهو يرعد ويبرق، ليس فيه شيء، ويحك يا حيي. فدعني وما أنا عليه، فإني لم أر من محمد إلا وفاء وصدقا. فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب (٢) حتى سمح له، على أن أعطاه عهدا من الله وميثاقا: لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك، فنقض كعب بن أسد عهده، وبرىء مما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم) (٣).

(واستدعى رؤساءهم وهم الزبير بن باطا، ونباش بن قيس، وعزال بن سمؤال وعقبة بن زيد، وكعب بن زبد، وأعلمهم بما صنع من نقض العهد، فلحمه الأمر لما أراد الله بهم من هلاكهم) (٤).

إننا كثيرا ما نسمع لدى دعاة القومية عن التفريق بين الصهيونية واليهودية، وأنهم يحاربون الصهيونية، أما اليهودبة، فلا، بل يعتبرون كثيرا من اليهود أنصارا لهم. وهم يحصرون معركتهم مع الصهيونية في فلسطين الأرض المغتصبة فإذا حلت مشكلة الأرض، بتحرير أو اعتراف، فلا خلاف بين القومية واليهودية، ودعاة القومية علمانيون ليسوا ضد دين أو تجمع ديني، بل هم ضد دعاة اغتصاب الأرض العربية وتسليمها لليهود، بل يحالفون هذه النماذج كذلك.

لهؤلاء جميعا نسوق هذا النموذج الحي من انتهاء اليهود إلى معسكر واحد، في النهاية، وقد يكون بعضهم أشد حقدا من بعض لكنهم أعداء في النهاية محاربون، وناكثون للعهد ناقضون كذلك، وإن كان المسلمون وهم يتعاهدون أو يتحالفون لا يعاملون أعداءهم على ضوء تاريخهم فقط، لكنها


(١) الجهام: السحاب الرقيق الذي لا ماء فيه.
(٢) مثل مأخوذ من البعير يضرب في المراوغة والمخاتلة.
(٣) السيرة لابن هشام ج ٣ ص ٢٣١ و٢٣٢.
(٤) إمتاع الأسماع للمقريزي ج ١ ص ٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>