إن قرننا قد شهد هذه المأساة، مأساة الاستسلام المتخاذل، مأساة اليقين عند حكام العرب وكثير من شعوبهم أن إسرائيل لن تقهر، وأن العرب لن ينتصروا. إنهم يمثلون تماما عرب الأوس والخزرج قبل الإسلام، حين كان الكيان اليهودي في المدينة يهدد الكيان العربي ويقول له: أظل زمان نبي نتبعه، فنقتلكم به قتل عاد وإرم. وكان العرب يقبلون من اليهود أحكامهم فيتماوتون على التحالف معهم ويتسابقون. وهؤلاء هم عرب اليوم، لقد كان الرعب يجتاح الإنسان العربي في الماضي من اليهود لأنهم أهل علم، وأهل سلاح. بل كان سلاح العرب في المدينة من صنع اليهود، فكيف يحاربونهم، وعرب اليوم الذين غدوا بلا عقيدة وبلا دين قد أكلهم الرعب من اليهود لعلمهم وسلاحهم. وعلم اليهود اليوم علم بشري وسلاحهم اليوم صنع غربي أو محلي. لم تنقلب الآية بعد، ولم تتغير الطبائع، ولم تتبدل النفوس.
لقد كان اليهود يهددون الكيان العربي بالنبي الذي سيبعث وقد أطل زمانه، وكان العرب ينتظرون أن يأتي هذا النبي حتى يبادوا. فهم يعرفون أن اليهود أهل الكتاب الأول وعندهم التوراة. لكن عندما تبنى العرب هذا النبي، وساروا وراءه عرفوا أنهم لا بد قاتلو اليهود قتل عاد وارم، (إن هذا هو النبي الذي توعدكم به يهود، فلا يسبقنكم إليه). وسبقوا اليهود، إلى هذا النبي وآمنوا به، وعرف اليهود في قرارة نفوسهم أنهم مهزومون ما لم يتبعوا هذا النبي، ومع ذلك رفضوا، كما رأينا رفضهم مع كعب أن يدخلوا في الإسلام حقدا وضغينة وعصبية، لقد كانوا يعلمون أنهم يخوضون معركة خاسرة، وأنهم لو قتلوا عن بكرة أبيهم فلن ينتصروا على محمد النبي. وعرب اليوم حين يعودون إلى هذا النبي، ويعودون إلى هذا الدين، ويقاتلون به سوف تظهر طبائع اليهود، وسوف يعرى اليهود في جبتهم وتخاذلهم كما تعروا في بني قينقاع والنضير وقريظة.
إن الجديد في المعادلة هو أن عنصر التفاعل لم يقع بعد، وقاتل اليهود عربا، ولم يقاتلوا مسلمين. وحين يقاتلون المسلمين يظهر اليهود على حقيقتهم بلا خلاف. وكانت المحاولة اليائسة الأخيرة من اليهود في استكناه طبيعة حكم