لقد دخلت عبادة العجل في دمائهم وبطونهم فشربوها شربا وامتزجت بكل شرايينهم. فكان جواب اليهود القاطع: لا نفارق حكم التوراة أبدا، ولا نستبدل به غيره. وكعب يعرف أن قضية اليهودية عندهم عصبية أكثر منها عقيدة، ومن أجل ذلك حينما عرض عليهم الدخول في الإسلام ورفضوا أراد أن يضعهم عند التزامات هذه العقيدة. فعرض عليهم التضحية الخالصة، عرض عليهم قتل أبنائهم ونسائهم لتكون الحرب الطاحنة. فلا يأسوا على مال أو زوج أو ولد. فالقتل لا يخيفهم لاطمئنانهم أن ذراريهم لن تكون أسرى بيد المسلمين، ولن تفتضح أعراضهم. غير أن القوم حياتهم أغلى عليهم من أعراضهم وأولادهم فما لذة العيش بعدهم؟ وهكذا لم يتخل بنو قريظة عن دينهم، ولم يضحوا بنسائهم وأولادهم وأرواحهم من أجل هذا الدين، فلم يعد إلا الحل الثالث: الهجوم المباغت على المسلمين ليلة السبت. فاعتذروا أنهم لا يفسدون سبتهم، وهكذا رفض الأتباع كل اقتراحات القيادة، ويئس كعب من قومه. فليس أمامهم إلا الموت جوعا وعطشا أو النزول على حكم محمد، أما أن يقاتلوا بشرف، أو يقاتلوا ببسالة أو يقاوموا ببطولة، فهذا في منطق اليهود لا يقوم.
وما أحوجنا إلى أن نتعرف على هذه الطباع، والمعركة بيننا وبينهم قائمة، والحرب مستمرة. إن فقه نفسية العدو تعطينا كثيرا من الإضاءات على طبيعة مواجهته، والغريب أننا نواجه اليوم ظاهرا بنماذج جدبدة حتى أصبح العربي يخشى اليهودي، وأصبح العرب وهم يناهزون المائة مليون ونصف عاجزين عن المواجهة، عاجزين عن الحرب، هزموا نفسيا بعد حربين خاضوها وكانت الحربان خاسرتين. لقد أصبحوا جميعا يتحدثون عن السلام، وأصبحت قياداتهم تؤمن بالحل السلمي أو الاستسلامي أكثر من إيمانها بالله، وبعد حرب الـ ٧٣ مع اليهود، انتهت فكرة الحرب والمواجهة عند العرب، وراحوا يحلمون باسترداد الأراضي بالطرق السلمية وتجمع مؤتمراتهم على ذلك، ويقدمون مشروع الحل السلمي هم، ولا يناقشون إطلاقا بالوجود اليهودي، بل يطلبون استعادة الضفة الغربية لتكون وطنا للفلسطينيين. وكفى الله العرب القتال.