للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المساكين! فما خير العيش بعدهم؟ قال: فإن أبيتم علي هذه الليلة ليلة السبت، وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنونا فيها، فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة. قالوا: نفسد سبتنا علينا، ونحدث فيه ما لم يحدث من كان قبلنا إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ! قال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما (١)).

ها نحن نجد كعب بن أسد يدرك أبعاد المعركة ونتائجها، ويعلم أن الموقف خاسر، وأن نزوله على حكم محمد - صلى الله عليه وسلم - يعني الإبادة التامة، والمقاومة يائسة خاسرة، ويبحث عن طرق النجاة فلا يراها إلا في الإسلام، والإسلام هو الذي يحقن دمه ودم بني قريظة جميعا. فمحمد يقول: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله فإن قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابمهم على الله (٢).

وتفكير كعب بالإسلام ولو من باب المصلحة يدل على أنه أقل حقدا من حيي بن أخطب وتفانيه في الزعامة والرئاسة، وطمس الحقد على بصره وبصيرته، ولئن شبه حيي بأبي جهل في حقده وكفره. فكعب أشبه ما يكون بعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة زعيمي بني أمية. إذ كانوا يدركون المصلحة كثيرا ويعجزون عن تنفيذها خضعانا لقومهم. ولئن استطاع عبد الله بن سلام حبر اليهود رضي الله عنه أن يتجاوز عصبيته، ويستجيب لأمر ربه. فكعب عاجز عن ذلك. لأن الزعامة عنده كذلك هدف لا يفوت. إنه يعرف أن محمدا حق، وأن إصراره على التمسك باليهودية عناد وحقد. لكن رآها فرصة سانحة أن يقود قومه للإسلام ولو كان من باب حقن دمائهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم. غير أن الأتباع كثيرا من الأحيان ما يكونون أسوأ عصبية من القيادات وخاصة اليهود الذين وصفهم رب السموات والأرض بقوله: {وأشربوا في قلوبهم العجل (٣)}.


(١) السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٤٦ - ٢٤٧.
(٢) رواه البخاري.
(٣) من الآية ٩٣ من سورة البقرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>