النجاة بأشخاصهم وأموالهم ونسائهم. مثل كل مرة، ويتنازلون عن سلاحهم، ولكن هيهات، فلن يلدع المؤمن من جحر مرتين، وهل الخندق إلا ثمرة من ثمارهم المرة، يوم نجوا بأرواحهم فراحوا يخططون لإبادة المسلمين فأين النجاة لهم بعد هذا الغدر والكيد. لقد وضعوا بين فكي الكماشة، الاستسلام بدون قيد ولا شرط، أو الموت جوعا وعطشا كما قال لهم حليفهم أسيد بن حضير: يا أعداء الله لا نبرح حصنكم حتى تموتوا جوعا، إنما أنتم بمنزلة ثعلب في جحر. ولقد ذكروه بحلفه قائلين: يا ابن الحضير نحن مواليك دون الخزرج! وخاروا فقال: لا عهد بيني وبينكم ولا إل. لقد بعثوا نباش بن قيس بالمهمة التالية: أن ينزلوا على ما نزلت عليه بنو النضير: له الأموال والحلقة، ويحقن دماءهم، ويخرجون من المدينة بالنساء والذراري ولهم ما حملت الإبل على الحلقة، ولعلها مشورة حيي بن أخطب زعيم بن النضير، الذي ظن أن الحيلة تتكرر. وكان جواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاسما قاطعا: أبى إلا أن ينزلوا على حكمه.
وتتدارس يهود الأمر لقد كان كعب بن أسد زعيم بني قريظة أقل حقدا من حيي بن أخطب، ومن أجل ذلك كان في بعض الأحيان لا يغلبه الحقد ويدرك مصلحته. ولقد كان ثاقب النظر حين قال لحيي: إنك امرؤ مشؤوم، جئتني بذل الدهر، وبجهام قد هراق ماؤه فهو يرعد ويبرق. وأنى له الندم ولات ساعة مندم، وراح يراجع رصيد حياته قبل قدوم محمد وبعده ودعا قادة اليهود وأولي الرأي منهم، وعرض عليهم أمام إصرار محمد - صلى الله عليه وسلم - حلولا ثلاثة قائلا لهم: (قد نزل بكم من الأمر ما ترون وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا أيها شئتما قالوا: وما هي؟ قال: نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل، وأنه للذي تجدونه في كتابكم فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم. قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبدا، ولا نستبدل به غيره. قال: فإذا أبيتم علي هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالا مصلتين بالسيوف، لم نترك وراءنا ثقلا، حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، فإن نهلك ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه، وإن نظهر فلعمري لنجدن النساء والأبناء. قالوا: نقتل هؤلاء