(وتقدمت الرماة من المسلمين وقال صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: يا سعد تقدم فارمهم، فرماهم والمسلمون ساعة، ويهود تراميهم، ورسول الله صلى عليه وسلم واقف على فرسه فيمن معه، ثم انصرفوا إلى منازلهم. وباتوا وقد بعث إليهم سعد بن عبادة بأحمال تمر فأكلوا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الطعام التمر واجتمع المسلمون عنده عشاء، ومنهم من صلى، ومنهم من لم يصل حتى جاء بني قريظة فما عاب على أحد من الفريقين، ثم غدا سحرا وقدم الرماة وعبأ أصحابه فأحاطوا بحصون يهود، ورموهم بالنبل والحجارة وهم يرمون من حصونهم حتى أمسوا، فباتوا حول الحصون. فنزل نباش بن قيس وكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن ينزلوا على ما نزلت عليه بنو النضير: له الأموال والحلقة، ويحقن دماءهم، ويخرجون من المدينة بالنساء والذراري، ولهم ما حملت الإبل إلا الحلقة. فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن ينزلوا على حكمه. وعاد نباش إليهم بذلك ....)(١).
هكذا كانت الجولة الأولى من الغزوة، جبريل عليه السلام يقود الحرب ويزلزل الحصون ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلن: من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة. وعلي بن أبي طالب يغرز الراية عند حصونهم، وتتم تعبئة الجيش وتكامله عند الحصون، وتبتدىء الرماية عنيفة، وهكذا نجد اليهود في كل مرة لا يقاتلون، إنما يهزمون بالرعب. ففي بني قينقاع يخورون بعد الحصار، وفي بني النضير يخورون بعد الحصار وفي بني قريظة يخورون بعد الحصار، وحسب اليهود أن تكون هذه المحاصرة كأخواتها، وينجون بأنفسهم ولكن لا نجاة هذه المرة، فيرفض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المفاوضات، ولا يقبل إلا الاستسلام التام له. لأن نقضهم للعهد كان أشنع نقض، ولأنهم استغلوا أسوأ الظروف للبطش بالمسلمين، ولو انتصروا لأبادوا المسلمين عن آخرهم، وبلغ بهم السفه قبل أن يفاجأوا بقوة المسلمين أن يسبوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويشتموه، ثم ها هم الآن يتذللون ويتمسكنون، ويودون