للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأنصاري أخا بني عبد الأشهل بسبايا من بني قريظة إلى نجد فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا (١).

نزل اليهود على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورفضوا كل اقتراحات زعيمهم كعب بن أسد، وقرروا أن يتلقوا مصيرهم على يد من نكثوا عهدهم معه، وهناك بصيص أمل عندهم أن يعفو عنهم رسول الله، أو أن تتمكن الأوس من حمايتهم كما فعل عبد الله بن أبي بحلفائه من بني قينقاع. وكان تصورهم أن تسيطر العصبية على حلفائهم الأوس فينجوا بحياتهم على الأقل.

وطالب الأوس بحقهم في الحماية كما فعل عبد الله بن أبي. فكرامة الفريقين الأوس والخزرج واحدة غير أن اتجاه القيادة يخالف اتجاه القاعدة، فكيف يفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمام هذا الحرج، إنه يملك أن يحسم الأمر بالقتل وانتهى الأمر. والأوس طوع بنانه. غير أنه يحرص على أن لا تصدم عواطف جنده من الأوس، فاختار هذا الحل الموفق: ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم. قالوا: بلى، قال: فذلك إلى سعد بن معاذ. فلقد تساوى الحيان في الحق، إذ حكم في بني قينفاع زعيم من الخزرج هو عبد الله بن أبي حليفهم، فليحكم في بني قريظة زعيم الأوس سعد بن معاذ.

إن القيادة الحكيمة هي التي تتجنب دائما الصدام مع عواطف شبابها، وتحرص على أن تمثل قناعاتهم وتطلعاتهم، بل تلبية رغباتهم، وحين تصطدم رغبة القيادة مع القاعدة، فالقيادة بحاجة إلى حل مريح يخفف جو الصدام.

إنهم جنودها بهم تقاتل، ومن خلالهم سر قوتها ونجاحها، وكلما استطاعت أن تعطي لهم الكرامة والاعتبار، كلما كان هذا أدعى إلى تلاحم الجانبين في صف واحد. بل راعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الحرب رغبات كل فرد من أفراد هذا الصف، فلقد كان لرجل من اليهود جميل في عنق ثابت بن قيس خطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فطلب ثابت حماية هذا الرجل من القتل من قيادته فوافقت القيادة على ذلك غير أن الزبير بعد أن عفي من


(١) السيرة النبوية لابن هشام مقتطفات من ص ٢٤٩ - ٢٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>