تأخذه في الله لومة لائم. بل لسعد ثأر عند يهود بني قريظة حين واجهوه بالسباب والشتيمة، وذكرهم بعهدهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهزئوا به، وحين أصابه سهم غادر من أحدهم فناجى ربه قائلا في دعاء طويل ... ولا تمتني حتى تشفني من بني قريظة، وها هو أمرهم كله له. فأخذ العهد على قومه أولا بقبول حكمه، ثم على المهاجرين وأصدر حكمه بذبحهم لخيانتهم وغدرهم.
إن الذي يدرك مرامي المعركة وأبعادها هم القادة الذين يعيشون جوها، ومن أجل هذا وجدنا اتجاه سعد رضي الله عنه يمثل اتجاه الرسول تماما، لمعرفته ببواطن الأمور وخفاياها بينما كان الأوس يدركون فقط في هذا المجال شرفهم وتساويهم في هذا الشرف مع الخزرج، ولا نقول الأوس جميعا، إنما نقول هو تيار قوي فيهم، لكن الذي حدد الموقف تماما هو سيدهم سعد بن معاذ. وهذا يدعونا إلى القول: إن على القيادة العليا أن تعطي ثقتها الكبرى للقيادات الوسط التي هي سبيلها إلى الجنود، ونافذتها عليها، وحين تعجز القيادة أن تقنع هذه القيادات الوسط فلن تصل إلى قلوب جنودها، وستكبر الهوة بين الفريفين، ويتمزق الصف شذر مذر، بل يتمحرر حول هذه القيادات الوسطى، ويشكل عقبة كؤودا في وجه القيادة ومخططاتها.
أما اليهود، وما أدراك ما اليهود، فها هم يساقون إلى مصارعهم، ولا يعرفون فيسألون زعيمهم كعب بن أسد عن الأمر فيقول لهم: أفي كل مرة لا تعقلون؟ أما ترون الداعي لا ينزع، وأنه من ذهب منكم لا يرجع؟ هو والله القتل. لقد أدرك ببصره الثاقب هذا المصير المروع، ونصحهم بمنعرج اللوى، فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد، وها هي رجالهم تذبح، ونساؤهم تسبى، وأموالهم تقسم. ويأتي زعيم الغدر والخيانة حيي بن أخطب ليمثل الجبلة اليهودية في كل جيل كما وصفها القرآن الكريم:(... أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون (١)). إن