لم يكن غضبا لنفس أو إهانة لآدمية. فلقد حرص عليه الصلاة والسلام على أن لا يكون التشفي والثأر هو الذي يسيطر على الموقف. (فلقد جابذ نباش ابن قيس الذي جاء به (لقتله) حتى قاتله ودق أنفه فأرعفه، فقال - صلى الله عليه وسلم - للذي جاء به: لم صنعت به هذا؟ أما كان السيف كفاية! ثم قال: أحسنوا إسارهم، وقيلوهم واسقوهم، لا تجمعوا عليهم حر الشمس وحر السلاح. وكان يوما صائفا، فقتلوهم وسقوهم وأطعموهم. فلما أبردوا راح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقتل من بقي منهم .. (١)).
إنها عظمة النبوة التي تحترم آدمية الإنسان، ولو كان يهوديا حكم الله تعالى به القتل، واليوم وفي أقبية سجون من يسمون (بالمسلمين) من المآسي وفنون التعذيب والتجويع والإهانة والسحق ما يشيب من هوله الولدان، والأصل هو إهانة كرامة الإنسان وتمريغه بالتراب، وتجريعه غصص العذاب الذي يترفع عنه الوحوش، وكما يقول سيد رحمه الله: إن الوحوش تأكل لتقتات أما هؤلاء فيتلذذون بالعذاب. ويبقى الإسلام الذي يكرم الإنسان بصفته إنسانا فيعاقبه بما يستحق دون شهوة غضب وحقد وتشف تنيله أكثر مما يستحق.
ويطالعنا في نهاية المطاف التجاوب العميق بين الأوس وبين قرار سيدهم سعد رضي الله عنه بعد أن قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سموات والتسابق في التنفيذ. فجاء أسيد بن حضير السيد الثاني للأوس فقال:(يا رسول الله لا تبقين دار من دور الأوس إلا فرقتهم فيها. ففرقهم في دور الأنصار فقتلوهم). وأعلن سعد أن الكاره لهذا القرار هو خارج عن الخيرية والهدى: ما كرهه أحد من الأوس فيه خير، ومن كرهه فلا أرضاه الله. وهكذا انتهت اليهودية في المدينة على تلك المراحل المتلاحقة حيث تلقى كل فريق جزاءه من جنس عمله، قينقاع والنضير وقريظة، وأعطانا هذا الحكم، حرية القيادة في مواجهة العدو بما يناسب