للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن يكون الحديث عن صف النبوة بهذه الصرامة ليدل أعمق الدلالة على عظم هذه المحنة.

إننا كثيرا ما نندفع في التقليل من شأن القائد بحجة أننا أصحاب فكرة، ونغالي في هذا الأمر. حتى لكأن القائد للجماعة لا يعدو أن يكون جنديا عاديا. ونرى حب القائد والتفاني في سبيله والتعلق به وثنية. فنكرر الجملة المعهودة: إذا غابت الفكرة، برز الصنم. وإن كنا في هذا الموقف أمام رسول رب العالمين، وليس قائدا بشريا فقط. لكن هذا يعني من طرف آخر أهمية القائد الذي تلتقي القلوب عليه، ودوره في تلاحم الصف، وتآخيه، ولكم رأينا خالد بن الوليد رضي الله عنه في المعارك التي خاضها كيف كان يدفع بالصف كله إلى التضحية حين يكون أول من يخرج للمبارزة.

القرآن الكريم يقرر أن المسلمين الصحابة من الجيل الأول تزلزلوا لخبر مقتل رسول الله صلوات الله عليه. وإن كان لا يعذرهم بهذا الموقف، لكنه في الوقت نفسه يثني الثناء العطر على الذين ذادوا عنه وقاتلوا بجواره. {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين .. (١)}.

إننا بحاجة ونحن نربي هذه الجماعة المسلمة أن نوازن بين هذين الأمرين دون طغيان. الأمر الأول: ربط الجنود بقائدهم ربطا وثيقا، ربط حياة وموت، واندفاعا إلى الاستشهاد وراءه، وتلبية لأمره، وذودا عنه.

الأمر الثاني: أن يكون عمق العقيدة وحبها أكبر من حب القائد في القلب، فلو سقط القائد فلا بد من الموت على ما مات عليه، والسير على منهجه. ولئن تزعزع فلتكن العقيدة أكبر منه، وما حبه والتفاني ذودا عنه، إلا لأنه يمثل الاستقامة على منهج الله، ولا بد أن نشير كذلك إلى عذر الشباب حين يفقدون القائد الذي يرون به المثل الأعلى، ويتحركون من خلاله، وما أحوج الجماعة المسلمة إلى هذا النموذج، وهذه النماذج ..


(١) آل عمران، الآية ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>