للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بدنه، وأصيب في أصحابه! وجعل المنافقون يخذلون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، ويأمرونهم بالتفرق عنه، ويقولون: لو كان من قتل منكم عندنا ما قتل. وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك في أماكن. فمشى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستأذنه في قتل من سمع ذلك منه من يهود والمنافقين، فقال عليه السلام: يا عمر، إن الله مظهر دينه، ومعز نبيه، ولليهود ذمة فلا أقتلهم؟ قال، فهؤلاء المنافقون!! قال: أليس يظهرون شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ قال: بلى، يا رسول الله! وإنما يفعلون ذلك تعوذا من السيف، فقد بان لنا أمرهم. وأبدى الله أضغانهم عند هذه النكبة! فقال: نهيت عن قتل من قال لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله: يا ابن الخطاب، إن قريشا لن ينالوا منا مثل هذا اليوم حتى نستلم الركن (١)).

لقد كانت المعركة كما نرى انعطافة خطيرة في سلم النصر. ولم يعهد المسلمون مثل هذا أبدا، ولقد أوضح القرآن الكريم في الآيات التي نزلت في أحد هذه المعاني والأوضاع النفسية التي عاناها المسلمون ما هو أكبر من الوصف البشري القاصر. ولقد تناول الحديث الوضع والوهن الذي أصاب المسلمين عامة: ثم الأوضاع الخاصة للمنافقين منهم، ثم الأوضاع الخاصة للربانيين منهم. {.. أن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ...} (٢) فلقد كان خبر مقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زلزلة عامة للصفوف، وكان الانقلاب على الأعقاب على أثره ظاهرة عامة لم ينج منها إلا القليل، وهم الربانيون الذين قاتلوا معه.


(١) مقتطفات من غزوة أحد للمقريزي من الصفحات ١٢٧ - ١٦٦ - إمتاع الأسماع ج ١.
(٢) الآيات ١٣٩ - ١٤٤ من سورة آل عمران.

<<  <  ج: ص:  >  >>