للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعضهم عن بعض. وقتل مصعب بن عمير وبيده اللواء .. وتفرق المسلمون في كل وجه، وأصعدوا في الجبل لما نادى الشيطان: قتل محمد ... وصار أبو سفيان بن حرب يقول: يا معشر قريش أيكم قتل محمدا؟ فقال ابن قميثة: أنا قتلته! قال: نسورك (١) كما تفعل الأعاجم بأبطالها. وجعل يطوف بأبي عامر الفاسق في المعزك، هل يرى محمدا؟ وتصفح القتلى فقال: ما نرى مصرع محمد؟ كذب ابن قميثة. ولقي خالد بن الوليد فقال: هل تبين عندك قتل محمد؟ قال: رأيته قبل في نفر من أصحابه مصعدين في الجبل. قال أبو سفيان: هذا حق. وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - وقد انكشف الناس إلى الجبل وهم لا يلوون عليه - يقول: إلي يا فلان، إلي يا فلان؟ أنا رسول الله! فما عرج واحد عليه. هذا، والنبل يأتيه - صلى الله عليه وسلم - من كل ناحية، وهو في وسطها والله يصرفها عنه ...

وكان أربعة من قريش قد تعاهدوا وتعاقدوا على قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعرفهم المشركون بذلك، وهم: عبد الله بن شهاب، وعتبة بن أبي وقاص، وعمرو بن قميثة وأبي بن خلف، ورمى عتبة يومئذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأربعة أحجار فكسر رباعيته، وشج في وجنتيه حتى غاب حلق المغفر (٢) في وجنته، وأصيبت ركبتاه ومجشتا (٣) ...

وقتل من المسلمين بأحد أربعة وسبعون: أربعة من قريش وسائرهم من الأنصار ... وجعل عبد الله بن أبي والمنافقون يشتمون معه، ويسرون بما أصاب المسلمين، ويظهرون أقبح القول. فيقول ابن أبي لابنه عبد الله - وهو جريح قد بات يكوي جراحه بالنار -: ما كان خروجك معه إلى هذا الوجه برأي! عصاني محمد وأطاع الولدان والله لكأني كنت أنظر إلى هذا؟ فقال ابنه: الذي صنع الله لرسوله وللمسلمين خير .. وأظهرت اليهود القول السيء فقالوا: ما محمد إلا طالب ملك! ما أصيب هكذا نبي قط، أصيب في


(١) نسورك: نلبسك الأساور كسواري كسرى.
(٢) المغفر: حلق وزرد ينسج من الدروع على قدر الرأس.
(٣) مجشتا: خدشتا خدشا شديدا.

<<  <  ج: ص:  >  >>