للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنصرونا، وإن غنمنا فلا تشركونا احموا ظهورنا؟ فقال الآخرون لم يرد رسول الله هذا. وانطلقوا، فلم يبق منهم مع أميرهم عبد الله بن جبير إلا دون العشرة، وذهبوا إلى عسكر المشركين ينتهبون (١)).

نحن أمام صورة حددها القرآن الكريم بقوله: {.. حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ...}. فلقد حدث طارىء جديد قلب موازين القوى في قلب المعركة، هذا الطارىء هو الفشل والتنازع في الأمر، والميل إلى الدنيا. والفشل هنا ضعف ووهن أمام إغراء الدنيا وزينتها، واختلفت الآراء حول الموضوع بين من يرى اللحوق بالغنائم ومن يرى الثبات في الجبل. يقول الشهيد سيد رحمه الله في التعليق على هذه الآية: (وهو تقرير لحال الرماة. وقد ضعف فريق منهم أمام إغراء الغنيمة، ووقع النزاع بينهم وبين من يرون الطاعة المطلقة لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانتهى الأمر إلى العصيان بعدما رأوا بأعينهم طلائع النصر الذي يحبونه، فكانوا فريقين: فريقا يريد غنيمة الدنيا، وفريقا يريد ثواب الآخرة. وتوزعت القلوب فلم يعد الصف وحدة، ولم يعد الهدف واحدا. وشابت المطامع جلاء الإخلاص والتجرد الذي لا بد منه في معركة العقيدة. فمعركة العقيدة ليست ككل معركة، إنها معركة في الميدان ومعركة في الضمير. ولا انتصار في معركة الميدان دون الانتصار في معركة الضمير. إنها معركة الله، فلا ينصر الله فيها إلا من خلصت نفوسهم لله وما داموا يرفعون راية الله وينتسبون إليها، فإن الله لا يمنحهم النصر إلا إذا محصهم ومحضهم للراية التي رفعوها؟ كي لا يكون هناك غش ولا دخل ولا تمويه بالراية. ولقد يغلب المبطلون الذين يرفهون راية الباطل صريحة في بعض المعارك - لحكمة يعلمها الله - أما الذين يرفعون راية العقيدة ولا يخلصون لها إخلاص التجرد، فلا يمنحهم الله النصر أبدا، حتى يبتليهم فيتمحصوا ويتمحضوا ... وهذا ما يريد القرآن أن يجلوه للجماعة المسلمة بهذه الإشارة إلى موقفهم في المعركة، وهذا ما أراد الله - سبحانه أن يعلمه للجماعة


(١) المقريزي، إمتاع الأسماع ج ١ ص ١٢٧، ١٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>