للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمة، وهي تتلقى الهزيمة المريرة، والقرح الأليم ثمرة لهذا الموقف المضطرب المتأرجح: {منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة}. والقرآن يسلط الأضواء على خفايا القلوب، التي ما كان المسلمون أنفسهم يعرفون وجودها في قلوبهم .. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما كنت أرى أن أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد الدنيا، حتى نزل فينا يوم أحد: {منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة}. وبذلك يضع قلوبهم أمامهم مكشوفة بما فيها، ويعرف من أين جاءتهم الهزيمة ليتقوها! وفي الوقت ذاته يكشف لهم عن طرف من حكمة الله وتدبيره وراء هذه الآلام التي تعرضوا لها، ووراء هذه الأحداث التي وقعت بأسبابها الظاهرة: {ثم صرفهم عنكم ليبتليكم}.

لقد كان هناك قدر الله وراء أفعال البشر. فلما أن ضعفوا وتنازعوا وعصوا صرف الله قوتهم وبأسهم وانتباههم عن المشركين، وصرف الرماة عن ثغرة الجبل، وصرف المقاتلين عن الميدان. فلاذوا بالفرار. وقع كل هذا مرتبا على ما صدر منهم. ولكن مدبرا من الله ليبتليهم بالشدة والخوف والهزيمة والقتل والقرح، وما يتكشف عنه هذا كله من كشف مكنونات القلوب، ومن تمحيص النفوس، وتميز الصفوف - كما سيجيء (١).

ويقف المسلم أمام قول الله عز وجل مرة ثانية {.. حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ...} فمن الذي فشل وننازع وأحب الدنيا؟

ظاهر الأمر أن هذا الكلام منصب على الرماة السبعين، وهم عشر الصف الإسلامي، هم عشر الجيش. والتنازع قد وقع بينهم بين من يريد أن ينفذ أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويريد الآخرة، وبين من نازعته نفسه إلى الغنيمة في الدنيا. خطيئة يقع بها أقل من عشر الجيش - لأنه بقي على الجبل حوالي العشر - فتنزل العقوبة بالجيش الإسلامي كله، وينتزع منه النصر بأمر الله سبحانه - وقائد الجيش محمد رسول الله - فما هو الميزان في ذلك؟


(١) في ظلال القرآن، سورة آل عمران، ص ١٠٦ - ١٠٨ المجلد ٢ ط دار إحياء التراث العربي.

<<  <  ج: ص:  >  >>