للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الله تعالى العليم بما في القلوب، يعرف من هم من غير الرماة يريدون الدنيا، فالظاهرة ليست محصورة فيهم. ولا شك في ذلك، لأن المنافقين الذين هاجمهم القرآن الكريم لتخاذلهم أمام المحنة لم يكونوا من الرماة، ولا نشك في إرادتهم للدنيا وحبهم لها. لكننا نقول كذلك أن في جيش محمد - صلى الله عليه وسلم -، غير الرماة وغير المنافقين، من يحبون الدنيا يركنون لها وإرادة الله تعالى سبحانه أن يعاقب جيش فيه أمثال هؤلاء. ولا شك أن معصية واحدة واضحة صريحة صدرت من عشر الجيش انعكس أثرها على الجيش نفسه، بل على قائده محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقد شج وجهه، وكسرت رباعيته وأدميت شفته. ونقارن بين قضيتين:

لقد كان المنافقون المنسحبون في بداية الأمر ثلث الجيش. ومع هذا العدد الضخم فلم يحرم المؤمنون النصر، أو يستحقوا العقوبة وثلثهم من المنانقين. ويشير القرآن كذلك إلى وجود المنافقين في الجيش بعد الثلث الذي انفصل، وذلك في الحديث عنهم {وطائفة قد أمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ...} وذلك في الحديث عنهم كذلك {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ...}. والمنافقون هم إخوان الكافرين من اليهود بلا شك. ومن هؤلاء المنافقين من مات أو قتل في المعركة في أحد.

مع وجود المنافقين في الجيش، ومع انفصال المنافقين عنه، مع هذا العدد الضخم كله لم يحرم المؤمنون النصر، وفيهم قرابة النصف لأن الله تعالى قال: {ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه}. فلقد استحقوا موعود الله بالنصر رغم انفصال ثلث الجيش، وانكشاف البقية من المنافقين. إنما كانت العقوبة من أجل هذا العشر الذي عصى بوضوح أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد رأى ما يحب من موعود الله، من أجل هذا العشر ومن معه من الذين أحبوا الدنيا وأرادوها فكانت العقوبة: {ثم صرفكم عنهم ليبتليكم} وهذا الابتلاء عفو من الله وهذه المحنة عفو من الله ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين.

<<  <  ج: ص:  >  >>