إن معصية الصف المؤمن، والخلل فيه أضخم بكثير من معصية المنافقين المدسوسين في الصف، فالمؤمنون أعظم عند الله تعالى من أن يعاقبهم لوجود المنافقين والمندسين فيهم بغير علمهم. إنما يستحقون العقوبة عندما ينحدرون هم أو ينحدر بعضهم فيعصي أمر قيادته، ويعصي أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيعاقب بهم الجيش كله. وحسبنا هذا الدرس العنيف ليكون أمام الحركة الإسلامية ولتعرف من أين تؤتى. إنها لا تؤتى مما هو أكبر من طاقتها، من المنافقين المتسللين المندسين في الصف، فالله تعالى يصرف بلاءهم وكيدهم، إنما تؤتى من ضعف التربية في هذا الصف، فيكون الجندي المسلم أدنى من المستوى المطلوب، ولو كان هؤلاء قلة في الجيش.
وليس بعيدا عنا ما وقع للحركة الإسلامية في بعض معاركها مع الطاغوت، فلقد كانت المخالفة الصريحة من جندي خرج على قيادته بعد أن كان منها مع المجموعة التي معه، ومع التوجيهات التي أصدرها للداخل باسم هذه القيادة أن وقعت مأساة القرن في حماة ومحاولة إبادة البلد بما فيها وبمن فيها. وكانت المحنة الرهيبة التي ذهب ضحيتها الألوف من المقاتلين ومن الرجال والنساء والأطفال الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا. ولا شك أن لهذه المحنة أسبابا أخرى غير هذه المخالفة. ولكن السبب المباشر لها هو هذا الموقف. كما كان السبب المباشر لمحنة أحد هو موقف الرماة الستين.
ونستطيع أن نؤكد أن هذه الأمور التي تم الامتحان من أجلها من الفشل والتنازع وحب الدنيا ليست خاصة بهؤلاء المخالفين، إنما هي ظاهرة عامة تشمل الصف كله قاعدة وقيادة. فمن هذا الصف من يريد الدنيا، ومن هذا الصف من يريد الآخرة، فكان قدر الله تعالى أن يصرف المؤمنين عن الكفار، ويكون الابتلاء للمؤمنين، ويكون عفو الله وفضله عليهم أن لا ينالهم المحق كما نال الكافرين، وأن يتخد منهم شهداء والله لا يحب الظالمين.
ولقد كان حكم الله تعالى على الصف الإسلامي في أحد أن أوضح الفرق كذلك بين الفريقين من المؤمنين {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم}. فالذين يريدون الآخرة جاهدوا وصبروا، وسكب الله تعالى في قلويهم السكينة والأمن إلى درجة لا يكاد يصدقها العقل لو كانت