للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهمني ذلك لما أراد من غيظك وغيظ أصحابك. وليأتين عليك يوم تدافعني بالراح، وليأتين عليك يوم أكسر فيه اللات والعزى وإساف ونائلة وهبل، حتى أذكرك ذلك (١)). فالرسالتان تحددان تماما إخفاق أبي سفيان وجمعه الأحزاب كلها دون تحقيق هدفه وتوضح الغيظ الذي نزل به من جراء الخندق، وأنه عاد كما قدم دون أن يحقق شيئا من أهدافه، كما تحدد الرسالة الثانية الفشل الذريع الذي حل بهجوم الأحزاب، والثقة العميقة بنصر الله، وتحطيم الطواغيت.

الخط الحادي عشر: وعلى ما لقي المسلمون من هول هذه المحنة وضخامتها. لم يرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يضم إلى جيشه جنديا واحدا مشركا يستعين به على العدو، على الرغم من كثرة العروض التي عرضت عليه من اليهود وغيرهم، وحرص على أن يكون جيشها نقيا من الشوائب. لا يقاتل تحت لوائه إلا من آمن بأهدافه. بل خسر في أحد ثلث جيشه إضافة إلى الكتيبة الحسنة التسليح من اليهود التي أرادت أن تنضم إلى الجيش الإسلامي. لقد كان التميز واضحا تماما في الجيش المسلم، وأعلن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأيه صريحا لليهود: مروهم فليرجعوا فإنا لا ننتصر بأهل الكفر على أهل الشرك. ورغم المعاهدات والعقود التي عقدها عليه الصلاة والسلام مع خصوم الإسلام، وفتح في هذه العهود إمكانية طلب النصرة منهم إلا أن تلك العقود والأحلاف لم تكن تتجاوز الجانب السياسي في الكف عن حرب المسلمين، أو إمدادهم بالمال والسلاح، أو تخذيل العدو عنهم. لكن هذا لم يصل إلى مرحلة الاشتراك في الحرب. وما نعلم أن هذا الأمر يدخل في نطاق الحرفة. لأن الفقه الإسلامي قال كلمته بهذا الصدد وجمهور الفقهاء على جوازه، ولكن الحرص يجب أن يكون على أعلى صورة لدى الحركة الإسلامية في هذا المجال، دون أن تشرك ولو كان جنديا واحدا في صفها غير مؤمن بعقيدتها وأهدافها، حتى لا يفسد الصف، ويبث فيه الوهن والضعف.


(١) إمتاع الأسماع للمقريزي ج ١ ص ٢٣٩ - ٢٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>