لنصرة دينهم. رغم الجوع القاتل، والبرد القاتل، والعدو الشرس الذي أحاط بهم إحاطة السوار بالمعصم، جعل هؤلاء مؤهلين لنصر الله تعالى وعونه، ومؤهلين، لأن يعطيهم النصر بدون قتال، ومؤهلين لأن يتحقق بهم موعود الله، فلقد صدقوا ما عاهدوا الله عليه بشهادة الله، {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا (١)}. ولم يضرهم وجود المنافقين في صفوفهم، ووجود من يقول في هذا الصف: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا، ووجود من ينظر إليك نظر المغشي عليه من الموت، ووجود من يلوذ بالفرار متسكعا وراء {إن بيوتنا عورة}. لم يضر المؤمنين وجود هذه النماذج كلها، أمام الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلا، فجاءهم نصر الله، بعد أن زلزلوا زلزالا شديدا. وكان هذا الثبات العظيم، ليس من ثمرته فقط أن يرد الله الكافرين بغيظهم دون أن ينالوا خيرا، بل كان وراء ذلك، ابتداء عهد جديد كل الجدة، عهد الهجوم على الكافرين وغزوهم، الآن نغزوهم ولا يغزونا، نحن نسير إليهم. فإذا ما اشتدت المحنة، ونزل الغم، ووقع الكرب، فنصر الله قادم لمن ثبت وأخلص، ولم يرج إلا الله تعالى وذكر الله كثيرا. ونستطيع أن نحدد طبيعة المعركة وأبعادها من خلال الرسالتين التاليتين المتبادلتين بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي سفيان: فقد كتب أبو سفيان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:(باسمك اللهم. فإني أحلف باللات والعزى لقد سرت إليك في جمعنا، وإنا نريد ألا نعود حتى نستأصلكم. فرأيتك قد كرهت لقاءنا، وجعلت مضايق وخنادق. فليت شعري من علمك هذا؟ فإن نرجع عنكم فلكم منا يوم كيوم أحد). فقرأه أبي بن كعب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قبته. وكتب إليه: (من محمد رسول الله إلى أبي سفيان بن حرب. أما بعد، فقديما غرك بالله الغرور. أما ما ذكرت أنك سرت إلينا في جمعكم، وأنك لا تريد أن تعود حتى تستأصلنا فذلك أمر يحول الله بينك وبينه، ويجعل لنا العاقبة حتى لا تذكر اللات والعزى. وأما قولك: من علمك الذي صنعنا من الخندق؟ فإن الله