للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موعدها في بدر الثانية، وتعلل أبو سفيان بالجدب، الذي لا يصلح للنفير، واستطاع المسلمون في نزولهم ببدر مكانا وزمانا أن يؤكدوا قوة معنوياتهم وتخاذل أعدائهم. كما أن جلاء بني النضير عن المدينة، أعطى سمعة معنوية عالية لهم، وأدخل الرعب في صفوف أعدائهم. والحركة الإسلامية مسؤولة دائما عن بث الروح المعنوية العالية في نفوس شبابها بالوسائل المكافئة. كما أنها مسؤولة عن تفتيت صف أعدائها، وهزيمتهم معنويا كذلك، بحيث يحسون أن يد الحركة الإسلامية قادرة على أن تطالهم في أي أرض فيحسبون لها ألف حساب. وإلا فالمحنة تذبح الصف من الداخل قبل أن تذبحه من الخارج، والنفوس ما لم تفتح أمامها آفاق العمل، لن تسلك غير طريق اليأس، إن المسؤولية التي تحملها القيادة في هذا المجال مسؤولية ضخمة، ولا يكفي أبدا الكلام ما لم يرافقه عمل ملموس يؤكد ثبات واستمرار الجهاد دون وهن أو توانٍ أو يأس.

الخط العاشر: وهو الذي حدد نهاية هذه المرحلة بالانتقال من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم. وذلك في نهاية المطاف، وبعد انتهاء غزوة الأحزاب حين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الآن نغزوهم ولا يغزونا، نحن نسير إليهم. إن هذه الكلمة لتؤكد المرحلية الضخمة في هذه الدعوة، وتؤكد التخطيط المنهجي، والمنهجية الحركية التي تنتقل من خطوة إلى خطوة، مبصرة مواقع خطواتها، عارفة منازل سيرها؟ وأي عمل بدون خطة هو عمل فاشل، لقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمته (١) بعد أضخم هجوم شهدته المدينة، من أضخم جيش شهدته الجزيرة في تاريخها كله، وجدير بمثل هذا الهجوم أن ينهي الإسلام، ويخضد شوكته، ويقطع أوصاله، غير أن الثبات في وجه الإعصار، وعبقرية التحرك للمواجهة رد الذين كفروا بغيظهم، لم ينالوا خيرا، وكفى الله المؤمنين القتال. ولا شك أن الإرادة الربانية بنصر هذا الدين هي التي كشفث الغمة والمحنة عن المؤمنين. وهذا جانب في سنن الله لا يأتي إلا لمن يستحقه ولمن هو أهل له، وصبر المؤمنين، وثباتهم خلف قيادتهم، وتحركهم


(١) الآن نغزوهم ولا يغزونا.

<<  <  ج: ص:  >  >>