للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهؤلاء عشرة من بني عبد الدار من حملة اللواء أبيدوا عن آخرهم، ولم يبق منهم أحد يحمل اللواء. فتقدم غلام لهم حبشي اسمه صواب فحمل اللواء وأبدى من صنوف الشجاعة والثباث ما فاق به مواليه من حملة اللواء الذين قتلوا قبله فقد قاتل حتى قطعت يداه، فبرك على اللواء بصدره وعنقه، لئلا يسقط حتى قتل وهو يقول: اللهم أعزرت؟ يعني هل أعزرت.

وبعد أن قتل هذا الغلام - صواب - سقط اللواء على الأرض، ولم يبق أحد يحمله، فبقي ساقطا (١).

قال الزبير بن العوام: وجدت في نفسي حين سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السيف فمنعنيه وأعطاه أبا دجانة، وقلت - أي في نفسي -: أنا ابن صفية عمته، ومن قريش، وقد قمت إليه فسألته إياه قبله. فآتاه إياه وتركني، والله لأنظرن ما يصنع؟. فاتبعته فأخرج عصابة له حمراء، فعصب بها رأسه فقالت الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت فخرج وهو يقول:

أنا الذي عاهدني خليلي ... ونحن بالسفح لدى النخيل

أن لا أقوم الدهر في الكيول (٢) ... أضرب بسيف الله والرسول

فجعل لا يلقى أحدا إلا قتله، كان في المشركين لا يدع لنا جريحا إلا زفف عليه. فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه، فدعوت الله أن يجمع بينهما فالتقيا، فاختلفا ضربتين، فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته، فعضت بسيفه، فضربه أبو دجانة فقتله. ثم رأيته قد حمل السيف على مفرق رأس هند بنت عتبة، ثم عدل السيف عنها. قال الزبير: فقلت: الله ورسوله أعلم.

قال ابن إسحاق: وقال أبو دجانة سماك بن خرشة: رأيت إنسانا يخمش الناس خمشا شديدا فصمدت له، فلما حملت عليه السيف ولول، فإذا امرأة، فأكرمت سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أضرب به امرأة (٣).


(١) الرحيق المختوم ص ٢٨٨ - ٢٨٩.
(٢) الكيول: آخر الصفوف.
(٣) السيرة لابن هشام ٣/ ٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>