والله ما أحب أن يشاك محمد شوكة وإني جالس في بيتي؟ فجعلوا يقولون: يا خبيب ارجع!! فيقول: لا أرجع أبدا. قالوا: أما واللات والعزى لئن لم تفعل لنقتلنك. قال: إن قتلي في الله لقليل، فجعلوا وجهه من حيث جاء فقال: ما صرفكم وجهي عن القبلة؟ ثم قال: اللهم إني لا أرى إلا وجه عدو، اللهم ليس ها هنا أحد يبلغ رسولك عني السلام، فبلغه أنت عني السلام. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - وهو جالس مع أصحابه وقد أخذته غمية -: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ثم قال: هذا جبريل يقرئني من خبيب السلام. ثم حضروا أبناء من قتل ببدر - وهم أربعون غلاما - فأعطوا كل غلام رمحا فطعنوه برماحهم فاضطرب على الخشبة، وقد رفعوه عليها، وانفلت فصار وجهه إلى الكعبة فقال: الحمد لله، فطعنه أبو سروعة حتى أخرجها من ظهره فمكث ساعة يوحد ويشهد أن محمدا رسول الله ثم مات رضي الله عنه، وتولى قتل زيد نسطاس (١).
٢١ - ثم أجمع رؤساء المشركين أن يغدو جميعا، وجاؤوا يريدون مضيقا يقحمون خيلهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى أتوا مكانا ضيقا أغفله المسلمون، فلم تدخله خيولهم، وعبره عكرمة بن أبي جهل، ونوفل بن عبد الله المخزومي، وضرار بن الخطاب الفهري وهبيرة بن أبي وهب، وعمرو بن عبد ود، قام سائرهم وراء الخندق فدعا عمرو إلى البراز .. فلم يكن أسرع من أن قتله علي، فولى أصحابه الأدبار، وسقط نوفل بن عبد الله بن عبد الله عن فرسه بالحجارة حتى قتل. ومر عمر بن الخطاب والزبير في أثر القوم فناوشوهم ساعة، وسقطت درع هبيرة بن أبي وهب فأخذها الزبير رضي الله عنه.
ثم وافى المشركون سحرا، وعبأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه فقاتلوا يومهم إلى هوي من الليل، وما يقدر رسول الله ولا أحد من المسلمين أن يزولوا عن موضعهم، وما قدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صلاة ظهر ولا عصر ولا مغرب ولا عشاء، فجعل أصحابه يقولون: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما صلينا! فيقول: ولا أنا والله صليت! حتى كشف الله المشركين؟ ورجع كل من الفريقين إلى منزله،