للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٨ - ثم أخذ - صلى الله عليه وسلم - قوسه، فما زال يرامي القوم، وأبو طلحة يستره مترسا عنه، حتى تحطمت القوس. وكان أبو طلحة قد نثر كنانته - وفيها خمسون سهما - بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان راميا وكان صيتا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: صوت أبي طلحة في الجيش خير من أربعين رجلا، فلم يزل يرمي بها ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خلفه بين رأسه ومنكبه ينظر إلى مواقع النبل حتى فنيت نبله وهو يقول: نحري دون نحرك جعلني الله فداك فإن كان - صلى الله عليه وسلم - ليأخذ العود من الأرض فيقول: ارم أبا طلحة! فيرمي بها سهما جيدا (١).

من بطولات الرجيع والخندق

١٩ - ورماهم عاصم حتى فنيت نبله، ثم طاعنهم حتى كسر رمحه، ثم كسر غمد سيفه، وقاتل حتى قتل، فبعث الله عليه الدبر (٢) فحمته. فلم يدن منه أحد إلا لدغت وجهه؟ ثم بعث الله في الليل سيلا فاحتمله فذهب به فلم يقدروا عليه. وذلك أنه كان قد نذر ألا يمس مشركا ولا يمسه مشرك، وكانوا يريدون أن يجزوا رأسه ليذهبوا به إلى سلافة بنت سعد لتشرب في قفة قحفه الخمر، فإنها نذرت إن أمكنها الله منه أن تفعل ذلك من أجل أنه قتل لها ابنتين في يوم واحد (٣).

٢٠ - ثم أخرجوه (أي خبيب بن عدي) في الحديد إلى التنعيم ومعه النساء والصبيان والعبيد وجماعة من أهل مكة، ومعه زيد بن الدثنة، فصلى خبيب ركعتين أتمهما من غير أن يطول بينهما - وكان أول من سن الركعتين عند القتل - ثم قال: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا. ثم أوثقوه رباطا وقالوا: ارجع عن الإسلام ونخلي سبيلك. فقال: لا إله إلا الله - صلى الله عليه وسلم - والله ما أحب أني رجعت عن الإسلام وأن لي ما في الأرض جميعا! قالوا: فتحب أن محمدا الآن في مكانك وأنت جالس في بيتك؟ فقال:


(١) المصدر نفسه ١٣٤.
(٢) الدبر: ذكور النحل.
(٣) إمتاع الأسماع ١/ ١٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>