للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالت أم عامر الأشهلية: كل مصيبة بعدك جلل، وجاءت أم سعد بن معاذ تعدو نحو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد وقف على فرسه، وسعد بن معاذ آخذ بعنان الفرس فقال سعد:

يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمي! فقال، مرحبا بها. فدنت حتى تأملت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالت: أما إذا رأيتك سالما فقد أشوت (١) المصيبة. فعزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعمرو بن معاذ ابنها ثم قال: يا أم سعد! أبشري وبشري أهليهم أن قتلاهم قد ترافقوا في الجنة جميعا - وهم اثنا عشر رجلا - وقد شفعوا في أهليهم؟ قالت: رضينا برسول الله، ومن يبكي عليهم بعد هذا؟ ثم قالت: ادع يا رسول الله لمن خلفوا، قال: اللهم أذهب حزن قلوبهم وأجبر مصيبتهم وأحسن الخلف على من خلفوا، ثم قال: يا أبا عمرو، إن الجراح في أهل دارك فاشية وليس منهم مجروح إلا يأتي يوم القيامة جرحه كأغزر ما كان: اللون لون الدم، والريح ريح المسك، فمن كان مجروحا فليقر في داره وليداو جرحه، ولا يبلغ معي بيتي، عزمة مني، فنادى فيهم سعد: عزمة من رسول الله ألا يتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جريح من بني عبد الأشهل، فتخلف كل مجروح، فباتوا يوقدون النيران ويداوون الجراح، وإن فيهم لثلاثين جريحا ومضى سعد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جاء بيته فما نزل عن فرسه إلا حملا، واتكأ على سعد بن معاذ وسعد بن عبادة حتى دخل بيته. فلما أذن بلال بصلاة المغرب خرج على مثل تلك الحال يتوكأ على السعدين فصلى ثم عاد إلى بيته.

ومضى سعد بن معاذ إلى نسائه فساقهن حتى لم تبق امرأة إلا جاء بها إلى بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبكين حمزة رضي الله عنه بين المغرب والعشاء، والناس في المسجد يوقدون النار يتكمدون (٢) بها من الجراح، وأذن بلال رضي الله عنه حين غاب الشفق، فلم يخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجلس بلال عند بابه حتى ذهب ثلث الليل، ثم ناداه: الصلاة، يا رسول الله، فهب - صلى الله عليه وسلم -


(١) أشوت: هانت.
(٢) تكميد العضو: تسخين بخرق أو قطن. فإذا تابع ذلك على موضع الوجع وجد له راحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>