وأقبل يومئد أبي بن خلف يركض فرسه فجعل يصيح بأعلى صوته، يا محمد، لا نجوت إن نجوت، فقال القوم: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كنت صانعا حين يغشاك، فقد جاءك! وإن شئت عطف عليه بعضنا، فأبى - صلى الله عليه وسلم -، ودنا أبي، فتناول النبي - صلى الله عليه وسلم - الحربة من الحارث بن الصمة، ويقال الزبير بن العوام، ثم انتفض بأصحابه كما ينتفض البعير فتطاير عنه أصحابه - ولم يكن أحد يشبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جد الجد - ثم أخذ الحربة فطعنه بها في عنقه وهو على فرسه فجعل يخور كما يخور الثور، ويقول له أصحابه: أبا عامرا والله ما بك من بأس، ولو كان هذا الذي بك بعين أحدنا ما ضره! فيقول: لا واللات والعزى، لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون أليس قال لأقتلنك (١). وقال عبد الله بن عمر مات أبي بن خلف ببطن رابغ.
وتبع حاطب بن أبي بلتعة عتبة بن أبي وقاص - الذي كسر الرباعية الشريفة - فضربه بالسيف حتى طرح رأسه، ثم أخذ فرسه وسيفه.
إشاعة مقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأثره على المعركة: ولم يمض هذا الصياح دقائق حتى شاع خبر مقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - في المشركين والمسلمين. وهذا هو الظرف الدقيق الذي خارت فيه عزائم كثير من الصحابة المطوقين، الذين لم يكونوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانهارت معنوياتهم، حتى وقع داخل صفوفهم ارتباك شديد، وعمتها الفوضى والاضطراب إلا أن هذه الصيحة خففت بعض التخفيف من مضاعفة هجمات المشركين لظنهم أنهم نجحوا في غاية مرامهم، فاشتغل الكثير منهم بتمثيل قتلى المسلمين.
الرسول - صلى الله عليه وسلم - يواصل المعركة وينقذ الموقف: ولما قتل مصعب أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللواء علي بن أبي طالب فقاتل قتالا شديدا، وقامت بقية الصحابة الموجودين هناك ببطولاتهم النادرة يقاتلون ويدافعون.
وحينئد استطاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يشق الطريق إلى جيشه المطوق،
(١) كان عند أبي فرس فكان يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: عندي فرص أعلفها كل يوم فرقا من ذرة أقتلك عليها. فيقول له عليه الصلاة والسلام: بل أن أقتلك عليها إن شاء الله.