البشرية بعد كل معركة، فيأتي البيان مختلفا في أحيان كثيرة عن العرض البشري للمعركة.
بدر وسورة الأنفال
ونترك للشهيد سيد قطب رحمه الله أن يقدم لنا معالم هذا البيان الرباني بعد المعركة:
في هذه الغزوة .. نزلت سورة الأنفال .. نزلت تعرض وقائع الغزوة الظاهرة وتعرض وراءها فعل القدرة المدبرة لكشف عن قدر الله وتدبيره في وقائع الغزوة، وفيما وراءها من خط سير التاريخ البشري كله، وتحدث عن هذا كله بلغة القرآن الفريدة، وبأسلوب القرآن المعجز ...
إن هنالك حادثا بعينه في الغزوة يلقي ضوءا على خط سيرها. ذلك هو ما رواه ابن إسحاق عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال:(فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا، فجعله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقسمه عن بواء (يقول: على السواء).
هذا الحادث يلقي ضوءا على افتتاح السورة، وعلى خط سيرها كذلك: لقد اختلفوا على الغنائم القليلة في الوقعة التي جعلها الله فرقانا في مجرى التاريخ البشري إلى يوم القيامة!
ولقد أراد الله سبحانه أن يعلمهم، وأن يعلم البشر كلهم من بعدهم أمورا عظاما ..
أراد أن يعلمهم ابتداء أن أمر هذه الوقعة أكبر كثيرا من أمر الغنائم التي يختلفون عليها فسمى يومها يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان.
وأراد أن يعلمهم أن هذا الأمر العظيم إنما ثم بتدبير الله وقدره، في كل خطوة وفي كل حركة ليقضي من ورائه أمرا يريده، فلم يكن لهم في هذا النصر وما وراءه من عظائم الأمور يد ولا تدبير، وسواء غنائمه الصغيرة وآثاره الكبيرة، فكلها من فعل الله وتدبيره، إنما أبلاهم فيه بلاء حسنا من فضله!