وأراد أن يريهم مدى الفرق بين ما أرادوه هم لأنفسهم من الظفر بالعير؛ وما أراده الله لهم وللبشرية كلها من ورائهم من إفلات العير، ولقاء النفير، ليروا على مد البصر مدى ما بين إرادتهم بأنفسهم وإرادة الله بهم من فرق كبير!
ولأن المعركة - كل معركة يخوضها المؤمنون - من صنع الله وتدبيره، بقيادته وتوجيهه، بعونه ومدده. بفعله وقدره. له وفي سبيله. تكرر الدعوة في السورة إلى الثبات فيها، والمضي معها، والاستعداد لها، والاطمئنان إلى تولي الله فيها، والحذر من المعوقات عنها من فتنة الأموال والأولاد، والاستمساك بآدابها، وعدم الخروج لها بطرا ورثاء الناس، ويؤمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتحريض المؤمنين عليها.
وفي ذات الوقت الذي تتكرر الأوامر بالتثبيت في المعركة يتجه السياق إلى توضيح معالم العقيدة وتعميقها، ورد كل أمر وكل حكم وكل توجيه إليها، فلا تبقى الأوامر معبقة في الفراغ إنما ترتكز على ذلك الأصل الواضح الثابت العميق.
ويبرز في سياق السورة بصفة خاصة - إلى جانب خط العقيدة - خط آخر هو خط الجهاد وبيان قيمته الإيمانية والحركية، وتجريده كذلك من كل شائبة شخصية، وإعطائه مبرراته الذاتية العليا التي ينطلق بها المجاهدون في ثقة وطمأنينة واستعلاء إلى آخر الزمان.
وأخيرا فإن السورة تنظم ارتباطات الجماعة المسلمة على أساس العقيدة كما أسلفنا، وبيان الأحكام التي تتعامل بها مع غيرها من الجماعات الأخرى في الحرب والسلم - إلى هذه الفترة التي نزلت فيها السورة - وأحكام الغنائم والمعاهدات وتضع خطوطا أصيلة في تنظيم تلك الروابط وهذه الأحكام.
هذا مجمل لخطوط السورة الرئيسة .. فإذا كانت السورة بجملتها إنما نزلت في غزوة بدر وفي التعقيب عليها، فإننا ندرك من هذا طرفا من منهج القرآن في تربية الجماعة المسلمة، وإعدادها لقيادة البشرية، وجانبا من نظرة