هذا الدين إلى حقيقة ما يجري في الأرض وفي حياة البشر مما يقوم منه تصور صحيح لهذه الحقيقة.
لقد كانت هذه الغزوة هي أول وقعة كبيرة لقي فيها المسلمون أعداءهم من المشركين. فهزموهم تلك الهزيمة الكبيرة ... ولكن المسلمين لم يكونوا قد خرجوا لهذه الغاية، لقد كانوا إنما خرجوا ليقطعوا الطريق على قافلة قريش الذين أخرجوا المؤمنين من ديارهم وأموالهم. فأراد الله للعصبة المؤمنة غير ما أرادت لنفسها من الغنيمة .. أراد لها أن تنفلت منها القافلة وأن تلقى عدوها من عتاة قريش الذين جمدوا الدعوة في مكة، ومكروا مكرهم لقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدما بلغوا بأصحابه الذين تابعوه على الهدى غاية التعذيب والتنكيل والأذى ...
لقد أراد الله سبحانه أن تكون هذه الوقعة فرقانا بين الحق والباطل، وفرقانا في خط سير التاريخ الإسلامي، ومن ثم فرقانا في خط سير التاريخ الإنساني .. وأراد أن يظهر فيها الآماد البعيدة بين تدبير البشر لأنفسهم فيما يحسبونه الخير لهم، وتدبر رب البشر لهم ولو كرهوه في أول الأمر. كما أراد أن تتعلم العصبة المؤمنة عوامل النصر، وعوامل الهزيمة، تتلقاها مباشرة من مدربها ووليها، وهي في ميدان المعركة وأمام مشاهدها.
وتضمنت السورة التوجيهات الموحية إلى هذه المعاني الكبيرة؟ وإلى هذه الحقائق الضخمة الخطيرة. كما تضمنت الكثير من دستور السلم والحرب، والغنائم والأسرى، والمعاهدات والمواثيق، وعوامل النصر وعوامل الهزيمة، كلها مصوغة في أسلوب التوجيه المربي، الذي ينشىء التصور الاعتقادي، ويجعله هو المحرك الأول والأكبر في النشاط الإنساني، وهذه هي سمة المنهج القرآني في عرض الأحداث وتوجيهها.
ثم إنها تضمنت مشاهد من الموقعة، ومشاهد من حركات النفوس قبل المعركة وفي ثناياها وبعدها .. مشاهد حية تعيد إلى المشاعر وقع المعركة وصورها وسماتها، كأن قارىء القرآن يراها فيتجاوب معها تجاوبا عميقا.