للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(نهنئك يا رسول الله! فلما هنأه جبريل هنأه المسلمون ...) (١).

لقد كان اتجاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المصالحة منذ اللحظة التي بركت فيها ناقته فقال الناس: خلأت (٢) القصواء، خلأت القصواء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل. ثم قال: والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها).

والظاهر من الوحي نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلح مع العدو. لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يستشر كما تشير النصوص أحدا في هذا الأمر، واكتفى بإعلان هذا لاتجاه بعد بروك الناقة وفي ذلك إشارة دقيقة: حبسها حابس الفيل عن مكة. وهذا يعني أن احتمال الرجوع عن مكة وارد.

ومع وصول سهيل بن عمرو الذي تفاءل به عليه الصلاة والسلام قائلا: سهل أمرهم.

وانتهاء المفاوضات الأولى بتبادل الأسرى بين الفريقين. لكن وصول هذا الوفد والبيعة على أشدها كان المهماز الأخير في اتجاه قريش إلى الصلح، وكان هدفها الأول: ألا تتحطم سمعتها العسكرية، وتمرغ كرامتها بالتراب نتيجة دخول الرسول - صلى الله عليه وسلم - مكة عنوة، أما بقية البنود فقابلة للأخذ والرد.

وبين رغبتين جامحتين: رغبة لقريش أن لا يدخل عليهم مكة هذا العام أبدا. ورغبة المسلمين أن يدخلوا مكة ويطوفوا بالبيت الحرام، ورجوعهم هو هزيمة عسكرية لهم.

بين هاتين الرغبتين الجامحتين كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يوازن بآفاق أبعد وآماد أرحب. وهل من هزيمة أوعظم من قبول قريش المصالحة وبعثه وفد بذلك. قريش قبل عام واحد تحاصر المسلمين مع من جيشت من العرب. وتأتيهم من فوقهم ومن أسفل منهم وهي اليوم تبعث وفدا للمصالحة مع المسلمين على مشارف مكة.

إنه نصر ساحق ولا شك والنصر الآخر هو أن تقف مكة على الحياد وتقف الحرب في جزيرة العرب وتفتح أبواب الجزيرة أمام المد الإسلامي. إنه نصر ساحق ولا شك.

وأن يعود المسلمون في العام القادم ويدخلوا مكة باعتراف رسمي وحماية رسمية دون أن يتعرض لهم أحد بسوء. إنه نصر ماحق ولا شك.


(١) مقتطفات من إمتاع الأسماع للمقريزي ج ١ من الصفحات ٢٩١و٢٩٢ و٢٩٧ و٢٩٨ و٣٠١ و٣٠٢.
(٢) خلأت: بركت.

<<  <  ج: ص:  >  >>