للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - وأهم بند من بنود المعاهدة إنتهاء عنصر الخوف في الأرض العربية فمن أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدعا دخل فيه لقد فتحت آفاق الدعوة على مصراعيها دون وجل أو خوف من أحد، وهذا ما كان يريده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ بداية الحملة.

(إنا لم نأت إلى قتال أحد، إنما جئنا لنطوف بهذا البيت فمن صدنا عنه قاتلناه وقريش قوم قد أضرت بهم الحرب ونهكتهم، فإن شاؤوا ماددتهم مدة يأمنون فيها، ويخلون فيما بيننا وبين الناس -والناس أكثر منهم - فإن ظهر أمري على الناس كانوا بين أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس، أو يقاتلوا وقد جموا والله لأجهدن على أمري هذا إلى ان تنفرد سالفتي، أو ينفذ الله أمره) (١).

٤ - والبندان الأخيران اللذان أثارا حفيظة المسلمين يجد الناظر لهما لأول وهلة أنهما مجحفان بحق المسلمين. لكن النظرة الأبعد. تؤكد أنها لمصلحة المسلمين. وأول هذين البندين:

((وأنه من أتى محمدا منهم بغير إذن وليه رده محمد إليه)).

ولا شك أن هذا البند فيه -في ظاهر الأمر- تخل عن المستضعفين المؤمنين في مكة غير أن ما ذكره القرآن حولهم يؤكد أن تأجيل المعركة مع قريش وتأخيرها هو لصالح هؤلاء المستضعفين في مكة.

{ولولا رجال مؤمون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ...} (٢).

لأن الحرب لو اندلعت لتعرض المستضعفون في مكة للإبادة بينما قامت هذه المعاهدة بتحقيق نصر معنوي لهم أهم ما فيه العهد مع دولتهم بالموادعة.

ومع أن الإجحاف الجزئي من خلال هذا النص قد أثر قليلا على أعصاب المسلمين لكنه ما لبث أن تعدل بعد أقل من شهرين. وذلك بعد خروج أبي بصير ومن معه من المسلمين إلى ذي المروة بالساحل.

وثاني هذين البندين: (وأنه من أتى قريشا من أصحاب محمد لم يردوه)

ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مطمئن إلى المؤمنين عنده وكما قال لصحبه:

(ومن جاءهم منا فلا رده الله).


(١) إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٨٦.
(٢) الآية ٢٥:الفتح.

<<  <  ج: ص:  >  >>