للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النزوات والانفعالات الجزئية عن الخطة العامة التي تجعل الهدف العام يضحى من أجله بالمنفعة القريبة العاجلة.

إن الانتقال بالدعوة إلى المجال السياسي بحيث تثبت وجودها فيه. بجانب الجهد العسكري الذي تبذله هو الذي يمكن لهذه الدعوة في الأرض. وإن الدعوة حين تسد في وجهها السبل، وتوضع في عجلاتها العصي، وينزل الاضطهاد بها من كل صوب، لا تجد أمامها محيصا من اللجوء إلى القوة حتى تضرب جذورها في الأرض. لكن هذه القوة هي الوسيلة الناجعة للعودة إلى الحوار الفكري والمجال السياسي مع الخصوم. وتستطيع أن تحقق بترانق ذينك الجانبين معظم أهدافها. أما التخل عن واحد منهما فهو خلل كبير تصاب به الدعوة.

لقد رأينا الحركات الإسلامية حين تعتمد على الحرية الديمقراطية دون سند لها من قوة. ولو وصلت إلى بعض المواقع، لكنها سرعان ما تخسرها لأن الباطل لا يرضى لها الغلبة وهو قادر على إزاحتها. وتجارب الحركة الإسلامية من خلال منح وزارة أو إعطاء قطاع من القطاعات حرية محدودة سرعان ما ينهار ذلك العطاء، وتجتث تلك الثمرات. كما أن اعتماد القوة وحدها ونسيان هدف الدعوة الرئيسي واعتماد التحرك السياسي. سرعان ما يفصم بينها وبين الناس ويوسع الهوة التي لا تردم بعد ذلك.

أما أن يكون الجانب الجهادي بجوار التحرك السياسي. وكلاهما يخدمان دعوة الإسلام هو الطريق الطبيعي لتحقيق نصر الله.

يقول الزهري رحمه الله عن فتح الحديبية:

(فما فتح في الإسلام فتح كان أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس فلما كانت الهدنة، ووضعت الحرب، وآمن الناس بعضهم بعضا والتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة، فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه، ولقد دخل في تينك السنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر) (١).

قال ابن هشام: والدليل على قول الزهري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى الحديبية في ألف وأربعمائة في قول جابر بن عبد الله ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين بعشرة آلاف.

ومن الآلاف العشرة يوم الأحزاب، إلى الألاف العشرة يوم فتح مكة يظهر حقيقة هذا الفتح المبين.

ولا شك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استثمر هذا الفتح أعظم استثمار.


(١) السيرة لابن هشام ٤ ص ٣٣٦ و ٣٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>