إسقاط نظام مكة والسيطرة عليه بمقدار ما كان هدفه هو ضم قوات المستضعفين إلى قيادتهم في المدينة. وحققت الثورة أهدافها، وقائدها على فراش الموت. وكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده أن يقدم بأصحابه معه. فمات قرير العين بتحقيق موعود الله تعالى له بالنصر والشهادة.
لكننا نرى تصرفا آخر قامت به أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أعدى أعداء الله. لا يقل بطولة عن أبي بصير إذا روعيت النسبة بين طاقات الرجال والنساء.
فأم كلثوم رضي الله عنها وقد خالطت بشاشة الإسلام قلبها وهي في بؤرة العداوة للمسلمين، خططت وغافلت أهلها حتى استطاعت أن تجد رجلا من خزاعة فسافرت معه مهاجرة إلى المدينة.
ويبدو فقهها رضي الله عنها في جانبين:
الجانب الأول: في التخطيط للهجرة حتى تخلص من جحيم أهلها ونار عداوتهم للإسلام.
الجانب الثاني: بحسن اختيارها لمن تنتقل معه فهي تعلم من بنود المعاهدة أن خزاعة هم حلفاء محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد الحديبية ومن أجل ذلك انتظرت حتى لقيت الرجل الحليف لمحمد وانطلقت معه.
ويبدو فقهها رضي الله عنها كذلك حين نزلت عند أم سلمة رضي الله عنها، فهي تعلم من بنود المعاهدة أن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعيد من يأتيه مسلما من المدينة. فاختبأت عندها، وكانت الأقدار العجيبة، أن تنزل عند المهاجرة الأولى أم سلمة رضي الله عنها، والتي قامت بالمغامرة نفسها قبل ست سنين أو سبع وفي الطريق نفسه، وحيدة فارة بدينها من مكة إلى زوجها في المدينة. والتقت المهاجرتان في بيت واحد. وفي بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأعلم عليه الصلاة والسلام بالأمر فرحب بأم كلثوم. وجاء أمر الله تعالى أن لا تعود إلى مكة.
ونلاحظ من هذه المغامرة الجريئة أمورا تحتاجها الحركة الإسلامية حين تكون في مرحلة الثورة فالأصل أن لا تسافر المرأة إلا مع محرم. وها نحن نجد أم كلثوم رضي الله عنها تسافر مسيرة ثمان ليال بدون محرم لأن محارمها أعداء الله. ولأن وجودها في محضنها الطبيعي بعيدا عن محارمها وتحت ظل دولة الإسلام هو الأصل.
وليس الأخ المسلم فقط هو الذي يؤمن على عرض المرأة المسلمة. بل كذلك الحليف المشرك