فتح قلعة أبي: وبعد فتح قلعة الزبير انتقل اليهود إلى قلعة أبي وتحصنوا فيها، وفرض المسلمون عليهم الحصار وقام بطلان من اليهود واحد بعد الآخر يطلب المبارزة، وقد قتلهما أبطال المسلمين، وكان الذي قتل المبارز الثاني هو البطل المشهور أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري صاحب العصابة الحمراء. وقد أسرع أبو دجانه بعد قتله إلى اقتحام القلعة واقتحم معه الجيش الإسلامي وجرى قتال مرير ساعة دخول الحصن. ثم تسلل اليهود من القلعة وتحولوا إلى حصن النزار آخر حصن من الشطر الأول.
فتح حصن النزار: كان هذا الحصن أمنع حصون هذا الشطر، وكان اليهود على ثقة بأن المسلمين لا يسطيعون اقتحام هذه القلعة وإن بذلوا قصارى جهدهم في هذا السبيل ولذلك أقاموا في هذه القلعة مع الذراري والنساء بينما كانوا قد أخلوا منها القلاع السابقة، وفرض المسلمون على هذا الحصن أشد الحصار، وصاروا يضغطون عليهم بعنف ولكون الحصن يقع على جبل مرتفع منيع لم يكونوا يجدون سبيلا للاقتحام فيه، أما اليهود فلم يجترئوا للخروج من الحصن، للاشتباك مع قوات المسلمين لكنهم قاوموا المسلمين مقاومة عنيدة برشق النبال، وبإلقاء الحجارة وعندما استعصى حصن النزار على قوات المسلمين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بنصب آلات المنجنيق ويبدو أن المسلمين قذفوا بها القذائف فأوقعوا الخلل في جدران الحصن واقتحموه ودار قتال مرير في داخل الحصن انهزم أمامه اليهود هزيمة منكرة، وذلك لأنهم لم يتمكنوا من التسلل من هذا الحصن كما تسللوا من الحصون الأخرى. بل فروا من هذا الحصن تاركين للمسلمين نساءهم وذراريهم. وبعد فتح هذا الحصن المنيع، تم فتح الشطر الأول من خيبر، وهي ناحية النطاة والشق وكانت في هذه الناحية حصون صغيرة أخرى إلا أن اليهود بمجرد فتح هذا الحصن المنيع أخلوا هذا الحصن وهربوا إلى الشطر الثاني من بلدة خيبر.
فتح الشطر الثاني من خيبر: ولما فتح ناحية النطاة والشق تحول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل الكتيبة والوطيح والسلالم حصن أبي الحقيق من بني النضير، وجاءهم كل فل كان انهزم من النطاة والشق وتحصن هؤلاء أشد التحصن.
واختلف أهل المغازي هل جرى هناك قتال في أي حصن من حصونها الثلاثة أم لا؟ فسياق ابن إسحاق صريح في جريان القتال لفتح حصن القموص. بل يؤخذ من سياقه أن هذا الحصن تم فتحه بالقتال فقط من غير أن يجرى هناك مفاوضات للاستسلام أما الواقدي فيصرح تمام التصريح أن قلاع هذا الشطر الثلاثة إنما أخذت بعد المفاوضة ويمكن أن تكون المفاوضة قد جرت لاستلام حصن القموص بعد إدارة القتال. وأما الحصنان الآخران فقد سلما إلى المسلمين دونما قتال، ومهما كان فلما أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هذه الناحية -الكتيبة-فرض على أهلها أشد الحصار، ودام الحصار أربعة عشر يوما واليهود لا يخرجون من حصونهم