للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شهوة الجوع التي يتشدق الماديون فيها، حتى ليبيحوا من أجلها الأعراض والسرقة.

وشهوة الجنس التي يعتبرها الماديون جزءا من تركيب الإنسان وحاجة عضوية فيه وشهوة التملك التي يستعبد الناس ويسبذلون من أجلها. ويأتي الأمر النبوي، وهذه الشهوات على أشد ما تكون يقظة وحاجة وشدة بالامتناع عنها، فستجيب الصف المسلم كله، دون أن تسجل مخالفة إلا مخالفة واحدة سنعرض لها فيما بعد.

ولئن حملت الحديبية إنسانا واحدا تباطأ عن البيعة على الموت. فلقد شهدت خيبر من أهل الحديبية مخالفة لا تكاد تذكر في هذه الأمور. وذلك من خلال ربط هذه الأمور فقط بالإيمان بالله واليوم الآخر.

وأمام هذا الصبر على الجوع، والصبر على الجنس في سبيل الله، والصبر على الغنائم حتى توزع وبعد هذه التجربة القاسية الفريدة. كان عطاء الله تعالى وفيض رحمته أكبر من كل التوقعات وشهدنا دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأسلميين الذين جاؤوا يشكون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جوعهم وفاقتهم وكان الدعاء الخالد:

اللهم إنك قد عرفت حالهم، وأن ليست بهم قوة، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء، وأكثرها طعاما وودكا، فغدا الناس، ففتح الله عز وجل حصن الصعب بن معاذ وما بخيبر حصن كان أكثر طعاما وودكا منه.

ويحدثنا المقريزي عن بعض هذه الغنائم فيقول: (واقتحم المسلمون الحصن يقتلون ويأسرون فوجدوا فيه من الشعير والتمر والسمن والعسل والزيت والودك كثيرا. فنادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلوا واعلفوا ولا تحتملوا (يعني لا تخرجوا به إلى بلادكم) فأخذوا من ذلك الحصن طعامهم وعلف دوابهم ولم يمنع أحد من شيء ولم يخمس ووجدوا بزا في عشرن عكيما (١) محزومة من متاع اليمن، ووجدوا خوابي سكر، فأمر بالسكر (٢) فكسر في خوابيه (٣)، ووجدوا آنية عن نحاس وفخار كانت يهود تأكل فيها وتشرب فقال عليه السلام: اغسلوها واطبخوا وكلوا فيها واشربوا وأخرجوا منها غنما وبقرا وحمرا، وآلة الحرب، ومنجنيفا ودبابات، وعدة، وخمسمائة قطيفة ...) (٤).

وهذا هو الصف الذي كتب الله تعالى له النصر في خيبر بالتزامه وانضباطه في القليل والكبير، ونحن بحاجة لهذا الصف الذي يلتزم بالأوامر من منطلق الإيمان قبل التزامه من منظلق


(١) العكم: ثوب يبسط ويوضع فيه المتاع.
(٢) السكر (ما يسكر به من الخمر).
(٣) الخابية: الوعاء الكبير.
(٤) إمتاع الأسماع ج ١ ص ٣١٨، ٣١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>